تنظم الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، بشراكة مع جامعة الأخوين، الدورة الثانية للجامعة الشتوية، تحت شعار "العيش المشترك"، لفائدة 100 من شباب مغاربة العالم، وذلك أيام 21 و22 و23 دجنبر 2018 بمركز الندوات الأخوين بإفران.
وتندرج هذه المبادرة حسب بلاغ للوزارة توصلت بلبريس بنسخة منه، في إطار تفعيل إستراتيجية الوزارة الموجهة لمغاربة العالم والرامية إلى تعزيز روابطهم ببلدهم المغرب، وذلك من خلال تنفيذ مجموعة من البرامج، من أهمها برنامج الجامعات الثقافية الهادف إلى الحفاظ على الهوية الوطنية للأجيال الناشئة من أبناء مغاربة العالم، وتقوية ارتباطهم بثقافتهم الأصلية باعتبارها مصدرا للإثراء وكذا تعزيز اندماجهم ببلدان الاستقبال.
ولبلوغ هذه الأهداف، ستتمحور الجامعة الشتوية، في دورتها الثانية، حول مفهوم العيش المشترك كمنظومة قيم مبنية على تقوية التفاعل وترسيخ مبادئ المواطنة والدفاع على القيم الحضارية القائمة على السلم والتسامح وقبول الآخر في إطار فضاء متعدد الهويات والثقافات .
فبالنظر للتغيرات التي عرفتها التركيبة المجتمعية لمعظم الدول، والناتجة عن تنامي ظاهرة الهجرة بحمولتها الثقافية والروحية والعرقية، أضحت هذه المجتمعات مطالبة، أكثر من أي وقت مضى، باعتماد آليات ناجعة لتدبير التنوع الثقافي وتحقيق التناسق والانسجام بين جميع مكوناتها. هذا التدبير الذي يقتضي من جهة إرساء قاعدة من القيم المشتركة، تتقاسمها كل الفئات المجتمعية، و من جهة أخرى اعتماد أسس جديدة في طرق التواصل والحوار بين الثقافات والشعوب، مع وضع برامج هادفة إلى تثمين التعددية الثقافية وجعلها حافزا للتنمية.
وفي هذا الإطار، ينبغي التأكيد على دور الأسرة والمؤسسات التعليمية والمجتمع المدني كأهم الفاعلين في عملية التنشئة الاجتماعية السليمة، وتكريس قيم التعايش لدى الأجيال الناشئة وتربيتهم على الالتزام بالمثل العليا التي تتجاوز مفهوم المكان والزمان والعرق واللون والدين. وتعتبر التربية الأسرية النواة الأولى التي تعمل على تسليح الأفراد بالقيم الأخلاقية النبيلة وتنمية وعيهم بحقوقهم وبواجباتهم. كما أن للمجتمع المدني والأساليب التربوية المعتمدة بالمؤسسات التعليمية دور فعال في تأصيل هذه القيم وحث الأجيال الناشئة على التحلي بمبادئ احترام الأقليات ونبذ العدوانية. وفي نفس السياق، يجب استحضار الدور الريادي للإعلام، بمختلف أنواعه المكتوب والمرئي والمسموع والالكتروني، في التعاطي مع التعددية المجتمعية، وإبراز جوانبها الايجابية باعتبارها منتجة للثروات وآلية للإغناء الثقافي والحضاري للمجتمعات المستقبلة، عوض تكريس كل أشكال التمييز والعنصرية وكراهية الآخر.
وجدير بالذكر أن المغرب شكل، على مر العصور، أرضا للتعايش والتلاقح بين الثقافات والحضارات والحوار بين الأديان، وعمل على بناء مجتمع تعددي وموحد يجمع بين مختلف روافده العربية والأمازيغية والإسلامية واليهودية والحسانية والأندلسية والإفريقية، والتي تعتبر كلها مصدر قوته وانسجامه.
وبالموازاة مع ذلك، كثف المغرب من جهوده لتأطير وتكوين أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج وإرشادهم ومواكبتهم روحيا وهوياتيا، وذلك بهدف صون وتقوية ارتباطهم بعقيدتهم الأشعرية السمحة ومذهبهم المالكي وحمايتهم من أي خطاب منحرف. وعمل أيضا على بلورة نموذج إسلامي وسطي معتدل يتميز بتكيفه مع بيئة بلدان الإقامة، مما ساهم في تحصين مغاربة العالم، وخاصة الفئات الشابة، وجعلهم مواطنين مندمجين وقادرين على التعايش مع الآخر.
كما بادر إلى التنصيص في ترسانته القانونية على نبذ كل أشكال التمييز والعنصرية وكراهية الأجانب، وعمل على دعم كل مبادرات المجتمع المدني التي تستهدف ترسيخ قيم التسامح والمساهمة في محاربة ثقافة الحقد والعدوانية.
فعلى غرار الدورة الأولى للجامعة الشتوية، ستعرف النسخة الثانية مشاركة 100 من شباب مغاربة العالم، المنحدرين من عدد من بلدان الاستقبال والمتراوحة أعمارهم ما بين 18 و25 سنة، مع حضور طلبة مغاربة وأجانب يتابعون دراستهم بالمغرب بهدف تيسير التبادل الثقافي.
خلال هذه الدورة، التي تمتد على مدى ثلاثة أيام، سيستفيد المدعوون من ندوات وورشات، يؤطرها عدد من الأساتذة الجامعيين والأكاديميين، تتطرق إلى موضوع العيش المشترك وتتناوله من زوايا وجوانب مختلفة سواء كانت تاريخية أو ثقافية أو تربوية أو اجتماعية. هذا بالإضافة إلى ندوة تتمحور حول الوحدة الترابية، المسار والمستجدات. وستعرف هذه الجامعة تنظيم زيارات ميدانية هادفة إلى التعريف بالموروث الثقافي المغربي الذي تزخر به جهة فاس-مكناس.
كما سيتم خلال مجريات هذه الدورة تقديم مسرحية "ضيف الغفلة"، وهي عمل فني مستوحى من مسرحية موليير الشهيرة طرطوف (Tartuffe)، والذي ترسم أحداثه، في قالب فكاهي، كيفية توظيف الجانب الديني واستغلاله لاستدراج العقول البسيطة وإيهامها بامتلاك الحقيقة، وذلك قصد استغلالها لتخريب القيم الإنسانية المتعارف عليها كونيا.
ستشكل هذه الجامعة الشتوية، في نسختها الثانية، فرصة لشباب مغاربة العالم للتعرف على النموذج المغربي المبني على مقاربة تشجع على التعرف على الثقافات الأخرى وترسيخ مبادئ التعايش والاحترام المتبادل وتمكينهم من اكتساب فكرة واضحة ومحينة حول منظومة القيم المغربية. كما أن مختلف الآراء والأفكار التي سيتم تداولها وتبادلها، خلال برامج وأنشطة هذه الجامعة، بين شباب مغاربة العالم ونظرائهم بالمغرب من جهة، ومختلف المتدخلين من جهة أخرى، سيكون لها وقع إيجابي عليهم وستساهم في تنمية ثقافتهم وارتباطهم ببلدهم المغرب.