يشهد الشارع المغربي حاليًا تفاعلات اقتصادية واجتماعية وسياسية مستمرة، تثير قلقًا متزايدًا لدى فئات المجتمع المختلفة. وفي هذا السياق، يتساءل محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام والناشط الحقوقي، حول ما يصفه بـ"الصمت الخطير" لتيارات اليسار، مما يفتح باب التساؤل: هل فقد اليسار قدرته على التأثير السياسي؟ أم أن تراجع دوره يعكس أزمة أعمق في توجهاته؟
ويدور الحديث هنا عن غياب واضح لرد فعل فعلي أو موقف معبر عن مصالح الطبقات الشعبية، بينما تتعرض الفئات الاجتماعية لموجة من الضغوط الاقتصادية التي تهدد مكتسباتها.
ويشير الغلوسي، في تساؤلاته، إلى أن صمت اليسار في ظل هذا الوضع قد يوحي بأزمة مركبة تتجاوز حدود الخلافات الداخلية أو الأزمات المالية، لتصل إلى جذور الخطاب السياسي وقدرته على مواكبة التحديات الراهنة.
أزمة خطاب أم أزمة وجود؟
لم يكن التيار اليساري في المغرب يومًا بعيدًا عن الصراع السياسي، فقد تميزت تياراته تاريخيًا بنقدها الحاد ومواقفها الصارمة ضد الاستبداد والتفاوت الاجتماعي.
ومع ذلك، يبدو اليوم وكأن اليسار يقف على هامش الساحة السياسية، صامتًا أو مترددًا أمام تطورات تفرض عليه دورًا تاريخيًا.
فهل يعود ذلك إلى عجزٍ تنظيمي وبنيوي داخل الأحزاب اليسارية نفسها؟ أم أن خطابها فقد تأثيره مع تزايد تعقيدات المشهد الاقتصادي والاجتماعي؟
ويرى العديد من المتابعين أن غياب اليسار عن التفاعل مع القضايا الملحة لا يمكن تبريره بمبررات بسيطة مثل ضعف الإمكانيات أو التضييق السياسي.
بل يبدو أن اليسار يعاني من انحصار الأفكار والإرادة اللازمة لطرح بدائل حقيقية تُلبّي تطلعات المجتمع المغربي.
هل ما زال اليسار يشكل أملًا؟
سؤال الغلوسي يحمل في طياته شكوكًا حول مستقبل اليسار كقوة سياسية تُعدُّ لسنوات طويلة أملًا لدى الطبقات الشعبية والمتوسطة.
إذ ينظر العديدون إلى اليسار بوصفه مرجعية للدفاع عن العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وتوسيع الحريات.
ومع ذلك، فإن صمته الحالي يوحي بأن هذا الأمل بدأ يتلاشى، تاركًا فراغًا قد تتسابق تيارات أخرى لملئه، بعضها قد لا تتبنى بالضرورة رؤية تقدمية لمستقبل البلاد.
وإذا كان اليسار المغربي يسعى حقًا لاستعادة دوره، فهو مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بتجاوز الخطابات المتكررة، والعمل على بناء رؤية سياسية جديدة تتماشى مع تطلعات الشارع، وإثبات حضوره الفعلي كصوت للطبقات المتضررة والمهمشة.