ملف “البوليساريو” في سوريا.. ورقة تفاوض بين الرباط ودمشق؟

مع سقوط نظام بشار الأسد في دمشق يوم 8 دجنبر 2024، برزت أنباء حول وجود مئات من عناصر جبهة “البوليساريو” الانفصالية محاصرين داخل الأراضي السورية، بعد مشاركتهم في القتال إلى جانب الميليشيات الداعمة للنظام السابق، التي تورطت في انتهاكات أودت بحياة ما يقارب ربع مليون مدني سوري.

ومع تزايد هذه الأنباء، أكدت وسائل إعلام دولية، من بينها إذاعة “مونتي كارلو” و”تلفزيون سوريا”، أن الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، قرر إخضاع هؤلاء العناصر للمحاكمة، إلى جانب العسكريين الجزائريين الذين شاركوا في القتال، رافضاً طلب الجزائر بتسليمهم.

وتشير المعلومات التي جرى الكشف عنها مؤخراً إلى أن السلطات الجزائرية، ممثلة بوزير الدولة، وزير الخارجية أحمد عطاف، تقدمت بطلب رسمي لاستعادة عناصر “البوليساريو” والعسكريين الجزائريين المحتجزين في سوريا، إلا أن الرئيس الشرع رفض ذلك، مؤكداً أن جميع المعتقلين سيخضعون للمحاكمة وفق القوانين الدولية الخاصة بأسرى الحرب.

هذا الموقف يعزز الأدلة حول تورط الجبهة الانفصالية في النزاع السوري، ويؤكد أن الجزائر لعبت دوراً مباشراً في إرسال مقاتليها إلى جبهات القتال هناك.

وفي ظل هذا الوضع، التزمت قيادة “البوليساريو” الصمت حيال التطورات المتسارعة في سوريا، غير أن تحركاتها الدبلوماسية أظهرت محاولاتها لاستخدام علاقاتها الإقليمية للضغط على الأطراف المعنية، حيث استقبلت في يناير الماضي وفداً من الانفصاليين الأكراد المنتمين إلى “الإدارة الذاتية لشمال سوريا”، المعروفة باسم “روج آفا”.

وقد عُقدت اجتماعات في مخيمات تندوف، وتم التقاط صور لعناصر “البوليساريو” إلى جانب الأكراد، وهو ما اعتُبر إشارة إلى استمرار ارتباطات الجبهة بالنزاعات المسلحة في المنطقة.

بالنسبة للمغرب، فإن تورط “البوليساريو” في النزاعات الإقليمية ليس أمراً جديداً، فقد سبق للرباط أن كشفت، عند قطع علاقاتها مع إيران عام 2018، عن تلقي عناصر الجبهة تدريبات عسكرية من طرف “حزب الله” اللبناني، بدعم مباشر من الحرس الثوري الإيراني.

كما أن التقارير الدبلوماسية المغربية أشارت مراراً إلى تمويل الجزائر للجبهة وتسليحها، وهو ما أكده ممثل المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، خلال مداخلته أمام اللجنة الرابعة في الأمم المتحدة، حيث شدد على أن الجزائر تدعم “البوليساريو” كجزء من تحالفها مع قوى إقليمية مثل إيران.

ولم يكن تورط الجبهة في القتال بسوريا مجرد ادعاءات إعلامية، بل وردت تأكيدات بشأنه من مسؤولين سابقين في النظام السوري، حيث أشار فهد المصري، وهو وزير سابق في حكومة الأسد، إلى أن إيران قامت بنقل حوالي 200 من مسلحي “البوليساريو” إلى جنوب سوريا، حيث تمركزوا في قواعد عسكرية، من بينها مطار الثعلة في السويداء، وقاعدة اللواء 90 قرب هضبة الجولان. هذه المعطيات تعكس كيف تحولت الجبهة إلى أداة تستخدمها أطراف إقليمية في صراعاتها.

ومع تغير المشهد السياسي في سوريا، بدأ الموقف الرسمي للحكومة الانتقالية الجديدة يتبلور، إذ أظهرت رسائل دبلوماسية موجهة إلى القيادة المغربية أن هناك توجهاً لتصحيح العلاقات مع الرباط. وفي هذا السياق، دعت جبهة الإنقاذ الوطني في سوريا، في رسالة إلى الرئيس أحمد الشرع عقب تلقيه تهنئة من الملك محمد السادس، إلى مراجعة العلاقة مع “البوليساريو” وإعادة النظر في موقف دمشق من قضية الصحراء المغربية، وصولاً إلى إمكانية الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية وفتح قنصلية في مدينة العيون.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.