بين الانحياز والتجاهل: كيف أخفق تقرير Crisis Group في قراءة النزاع بالصحراء؟

كشف تقرير حديث صادر عن مجموعة الأزمات الدولية حول قضية الصحراء المغربية والعلاقات المغربية الجزائرية عن انحياز واضح وأخطاء تحليلية فادحة، إذ تجاهل العديد من الحقائق الأساسية المرتبطة بالسياق التاريخي للنزاع ومساعي التنمية المغربية، مما أضعف مصداقيته وحياديته.

وفقًا للمقال الذي كتبه الوزير السابق لحسن حداد في صحيفة "أتاليار"، أشار إلى أن الوثيقة افترضت أن موقف المغرب من الصحراء يستند إلى طموحات إمبراطورية تاريخية، متجاهلة الحقائق المرتبطة بالروابط التاريخية والجغرافية للمنطقة بالمغرب، والمشاريع التنموية الكبرى التي أطلقها لتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

وتناول التقرير الجزائر بصفة "الضحية" في هذا النزاع، متغافلاً عن دورها المحوري في دعم جبهة البوليساريو الانفصالية عسكرياً ودبلوماسياً، مواصلا تحيزه رغم أن الجزائر خصصت في عام 2023 وحده ميزانية عسكرية ضخمة بلغت 23 مليار دولار، مقارنة بالمغرب الذي يركز على تحديث استراتيجي محدود لمنظومته الأمنية.

وأغفل التقرير في المقابل السياق الإقليمي الذي تلعب فيه الجزائر دوراً تصعيدياً واضحاً، خصوصاً في تعاطيها مع النزاع الدبلوماسي الذي نتج عن تصريح مغربي بخصوص منطقة القبائل، وهو ما دفعها إلى قطع العلاقات بشكل غير مبرر.

وتجاهل أيضا أن المغرب وفي إطار التوجيهات الملكية السديدة، انخرط في تنفيذ مشاريع تنموية ضخمة في الصحراء، شملت قطاعات حيوية كالبنية التحتية والتعليم والصحة والطاقة المتجددة، وذلك في إطار استراتيجيته لتعزيز اندماج المنطقة ضمن النموذج التنموي الوطني.
وقد وصف تقرير مجموعة الأزمات، هذه المبادرات التنموية بأنها "ضغط"، وهو تحليل منحاز يتجاهل الأثر الإيجابي العميق لهذه الاستثمارات على حياة المواطنين الصحراويين، والتي تهدف إلى تحسين ظروفهم المعيشية وتمكينهم من تثمين ثرواتهم المحلية في إطار مشروع حكم ذاتي ذي مصداقية، يعكس حسن نية المغرب وواقعيته في إيجاد حلول سلمية ومستدامة.

وتعامل التقرير بازدواجية معايير واضحة عند مناقشة مبدأ تقرير المصير، حيث انتقد موقف المغرب من قضية الصحراء بينما تجاهل دعم الجزائر لجبهة البوليساريو رغم قمعها تطلعات منطقة القبائل إلى الحكم الذاتي، مبرزا رد فعل المغرب على عرقلة معبر الكركرات الحيوي باعتباره خرقاً لوقف إطلاق النار، متغافلاً عن الأضرار الاقتصادية التي تسبب بها الحصار وأهمية تدخل المغرب لضمان استمرارية تدفق التجارة الإقليمية.

وواصل التقرير تقليله من أهمية المبادرات المغربية لتعزيز التعاون الإقليمي، لا سيما مع دول الساحل والصحراء، واصفاً إياها بأنها "رد فعل" على التراجع الجزائري، إذ تجاهل هذا الطرح النهج المغربي الطويل الأمد لتعزيز التكامل الاقتصادي والأمني، والذي يمتد إلى جهود دبلوماسية مكثفة لاستعادة مكانة المغرب داخل الاتحاد الإفريقي، وكسب دعم دولي متزايد لموقفه في قضية الصحراء، بما في ذلك افتتاح قنصليات عديدة في مدن الصحراء.

ونقضت الوثيقة ذاتها أطروحة "الإمبراطورية المغربية"، متجاهلة التاريخ الذي يشهد على مساندة المغرب لاستقلال الجزائر خلال حقبة الاستعمار، حيث حاول التقرير كذلك التخفيف من أهمية الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء، والذي شكل انتصاراً دبلوماسياً تاريخياً يعكس دينامية السياسة الخارجية المغربية تحت قيادة الملك محمد السادس.

وفي الختام إن قراءة تقرير مجموعة الأزمات الدولية تكشف عن ميل واضح لإبراز دور الجزائر كطرف مدافع عن حقوق تقرير المصير، في حين أن الوقائع تثبت دورها كطرف أساسي في تأجيج النزاع، وتحتم هذه المغالطات ضرورة تطوير خطاب دولي أكثر شمولية وتوازناً، يعكس تعقيدات هذا النزاع ويعطي الأولوية للحقائق والجهود التنموية المغربية الحقيقية.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.