مؤسف وغامض حقيقة ما يحدث من حركة احتجاجات طال أمدها في ملف طلبة الطب بالمغرب، الاحتجاجات التي وإن كانت تحظى عند مجموعة من الرأي العام في بداياتها العفوية ببعض الدعم المعنوي أصبحت اليوم مع مرور الأيام وظهور أعراض تصعيدية غريبة على طلبة الطب تطرح بامتياز العديد من الاسئلة الحارقة من منطلق طبيعة التصعيد وتبعاته والمخاطر التي ترافقه:
- ان كانت سمعة البلد بأكمله وطلبة مسلك الطب هم المتضررون المباشرون بكل تأكيد فمن المستفيد مما يحدث ؟
- ولحساب من يذهب كل هذا الهدر الزمني والنزيف في أحد القطاعات الأكثر حيوية واستراتيجية بتعليمنا العالي ونظامنا الصحي؟
- من المستهدف من كل هذا الحجم من التصعيد ؟ هل رأس الوزير ميراوي هي المقصودة بكل هذه الاحتجاجات ام مشروعه الإصلاحي الواقعي والواعد لمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي ببلادنا أم خلفيته كأحد أبرز الاطر المغربية الوافدة من ديار المهجر ام شيء آخر؟
إن كان الامر متعلقا بشخص الوزير، وليس بمشروعه وكفاءته التي لا يختلف حولها اثنان فالمسالة مقلقة أخلاقيا حقيقة إذا علمنا أن مقاربة الوزير ميراوي هي التي أزعجت بعض مواقع الريع المشتغلة في الخفاء وأن طريقة اشتغاله التي عرف بها طول مساره منذ سنين طويلة لا تعرف المهادنة مع الربع واصحابه ومع بؤر الفساد الاداري والمالي بمنظومتنا ان كان كل هذا الحجم من الاحتجاج مرتبط بحسابات ضيقة لا علاقة لها في الواقع بمصلحة ابناءنا بمسلك الطب ولا بعدد السنين بهذا المسلك كانت ستة اعوام او اقل او اكثر فالواضح لكل من يتابع بهدوء وتجرد ما يحدث ان هناك أيادي غير بريئة يشتغل مهندسوها متخفين وراء هواتفهم الذكية وحساباتهم الرقمية التمويهية في أكبر عملية استخفاف بسمعة البلد ككل وبكل المغاربة دافعي الضرائب وبمستقبل طلبة الطب ببلادنا.
من يتابع هذه الحركة الاحتجاجية وتعثر كل مبادرات حلولها ربما سيصل لنتائج متعددة ومن بينها ان الوزير ميراوي لشخصه هو المستهدف ليس الآن بل منذ تحمله للمسؤولية. والجميع يتذكر ملف طلبة "أوكرانيا" والذي فشلت محاولة الركوب عليه قبل ان تتحول بوصلة الاحتجاج لملف طلبة الطب بالتصعيد المتدرج والمنظم.
- من يدفع بطلبة الطب لإلقاء بدلة الشرف البيضاء أرضا ؟ ألهذا الحد وصل الاحتجاج ؟ هل أصبح هذا التوجه الاحتجاجي وبالشكل الذي يتطور به يمثل نوعا من التطرف النضالي الذي رغم كل محاولات إظهار العكس أصبح يؤخذ منحى سياسوي يصب المصلحة توجهات راديكالية وانتهازية معينة ؟
ليس بهذا الشكل تكون الممارسة والسياسة التي لا يمكن خلطها بالسياسوية، أيها المحركون في الكواليس، فليس بكل الطرق تتحقق أخلاقيا التطلعات نحو الصدارة مجتمعيا ويتم ربح ثقة المواطنين عبر التلاعب بمصير ابناءهم ودفعهم للانتحار الدراسي واليأس على غرار ما حصل قبل اسابيع مع قاصرين غرر بهم فيما سمي بالهجرة الجماعية بالفنيدق لان الزمن كشاف وما خفي اليوم سيفضح غدا السياسوية في تصورنا هي الركوب على حصان السياسة اخلاقية.
لكن بنوايا لا يجب التذكير أن ما هو معروف عن جسم الطلبة عموما هو تغليب مصلحتهم بالدرجة الأولى في توفير ظروف تحصيل جيدة والمعروف عن الطلبة الذين يلجون بشكل خاص للمدارس العليا ومدارس المهندسين والطب انهم المتميزون على مستوى ما حصلوه من معدلات مرتفعة جدا طوال مسارهم الدراسي. هذه الخاصية التي لا خلاف حولها تظهر ان شيئا ما غير عادي وغامض خلف هذه الاحتجاجات. فلا يعقل ان يكون سلوك طالب نموذجي ومتميز في مساره الدراسي انتحاريا ومغامرا بالشكل الذي اصبح يظهر عليه علما أن هذا الطالب يمثل تضحيات و حلم واستثمار طويل الأمد لأسرته الصغيرة دون الحديث عما ينتظره منه المجتمع والبلد ككل.
كل هذه الاسئلة المشروعة والتي تبرئ ضمنيا طلبة الطب العاديين من كل الصور النمطية السلبية وكما هو الشأن بكل دول العالم الهدف منها هو توجيه رسائل لكل من يقف خلف هذه الاحتجاجات غير العادية ودعوتهم لرفع اليد وتغليب المصلحة العامة وتوقيف المزايدات السياسوية التي لا يربح أي طرف من وراءها ويبقى الأمل هو ان يتدارك طلبة الطب الزمن الذي تم استنزافه وتوجيه البوصلة للمستقبل فكل اشكال مهما بلغت صعوبته وتعقيداته يهون ويتلاشى امام كل ارادة قوية وعزيمة لا تساوم في الصالح العام والقيم المتعارفة.