عبد اللطيف بن أموينة يكتب عن "وحوش الوطن"

"إن الشعب مكبَّل بسلسلة هائلة وأنتم لا تحطمون السلسلة بل تضيفون إليها حلقات جديدة".

أنطوان تشيخوف. عندما تم تنصيب حكومة اليوسفي في مارس/آذار 1998، علق الكثير من المغاربة البسطاء ومن الطبقة الوسطى آمالاً كبرى على هذه الحكومة بناءً على التاريخ النضالي لرئيسها وعلى الوعود التي أطلقت آنذاك.

كان الكثيرون يأملون في انتقال ديمقراطي سليم وسلمي، واستمر معه الحلم بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تعيد الكرامة للإنسان المغربي بعد عقود سوداء من القمع والتسيب والفساد وإهدار كرامة البشر.

تم التخلي عن اليوسفي بالطريقة المعروفة، والتي أصبحت اليوم ذكرى قاسية في وجدان الكثير من الديمقراطيين المغاربة.

وحتى حينما جاءت تجربة إسلاميي "العدالة والتنمية" بعد احتجاجات حركة 20 فبراير/شباط العظيمة، عادت نفس الآمال الشعبية لتنتعش وتتجدد بحكم التعاطف الذي حصده هذا الحزب والشعارات القوية الذي يرددها زعيم الإسلاميين المغاربة.

ربما كانت هناك نية لدى جهات معينة بإغلاق قوس "الربيع المغربي" والتنكر لمطالب الشعب المغربي الجريح، زد على ذلك الأخطاء السياسية القاتلة التي وقع فيها رئيس الحكومة واختياراته القاسية بمعية أعضاء حكومته متعددة الأضلاع. وربما أيضاً بسبب غياب الخبرة في التدبير.

لقد بدا واضحاً للكثيرين ومن مدة، أن هناك من يتعقب بنكيران وأن رأسه أصبحت مطلوبة وهذا ما حدث فعلاً، وأن قرار إبعاده أراح الدولة وقيادة الحزب والطبقة السياسية برمتها رغم التصريحات المليئة التي تقطر بالنفاق.

إن الفشل التدريجي لسيرورة الانتقال الديمقراطي والتي سبق وعبّر عنها اليوسفي في خطاب بروكسل الشهير وتعدد الجبهات الانتهازية مجتمعة في عصابة كبيرة داخل المؤسسات والأحزاب السياسية ورجال الأعمال الجشعين وغيرهم، يعطي دليلاً قاطعاً على ذلك، لكن الوضع أكثر تعقيدا من ذلك بكثير فلكل طرف حساباته الدقيقة وأدواته وتوقيته.

كل هذه الأسباب وغيرها تنبئ بنهاية الحلم لدى فئات عريضة ليتحول الحلم إلى كابوس يومي. بحيث لم يكن غريباً أبداً أن نصعق بالارتفاع المهول للمديونية بشكل لم يسبق له مثيل وانهيار القطاعات الاجتماعية وانسداد الأفق السياسي، مما جعل المستقبل يبدو قاتماً.

في الجهة الأخرى، حافظ الأثرياء والمقربون من الحكم على امتيازاتهم ومصالحهم بل، ويا لها من مفارقة أليمة، فقد عرفت نمواً مطرداً في بلد فقير غارق في المديونية والفساد السياسي والبؤس الاجتماعي.

في هذا السياق السياسي والمجتمعي المشحون والذي عرف تراجعات خطيرة في حقوق الإنسان وارتفاع الفساد والإفلات من العقاب، قامت الجهات النافذة بمراكمة المزيد من الثروات وتهريبها وشراء جنسيات أجنبية، مما يعد مثالاً صارخاً على الفصام الذي تعيشه النخب الحاكمة وعلى انعدام الثقة في الوطن ومؤسساته.

وهذا يعني بداهة أنّهم محميون جميعاً من جهات نافذة داخليّاً وخارجيّاً. ومستمرون في لعب نفس المسرحية البالية. هؤلاء هم وحوش الوطن الذين حولوا الحياة العامة إلى غابة.

إن مسؤولية الدولة قائمة سياسياً وقانونياً وأخلاقياً في الوضع السياسي والاجتماعي المتردي، وفي تفاقم معدلات الفقر والهشاشة وسيادة مشاعر الإحباط واليأس.

إن الحرب على المدرسة والجامعة في شكلها الشرس والممنهج منذ فترة الثمانينات، وتدهور الحياة المعيشية للمغاربة مستمر بلا شفقة ولا إدراك للعواقب الصاعقة. لذلك فالاستمرار في امتهان كرامة الناس الأكثر عزلة وهشاشة في المجتمع. في الوقت الذي تستمر فيه ماكينة السلطة في صناعة النخب المخملية المنبطحة في مطبخ الحكم.

كل ذلك ينبئ بمراحل صعبة قادمة.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.