ملاحظات على القانون الخاص بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري

منير فوناني

محامي بهيئة المحامين بالرباط

صدر القانون رقم 67.12 المتعلق بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى أو للإستعمال المهني، الذي تضمن 75 مادة تم توزيعها على إحدى عشر بابا، لن يتم التطرق لها كافة، وإنما سأكتفي بإبداء خمس ملاحظات حول هذا القانون.
أول ملاحظة يمكن التطرق لها هو أن القانون المذكور أعدته وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة، بالاعتماد على دراسة قامت بها وزارة السكنى سنة 2005 حول قطاع السكن.
لنطرح السؤال: ما مدى سلامة إعداده من قبل وزارة السكنى؟ هل يمكن أن نستشف من ذلك أن الغاية هي حل إشكالية السكن دون الاكتراث لإشكاليات التطبيق المعروضة على المحاكم؟
ومن أجل أن تكون الرؤية واضحة يتعين بداية التذكير بمسار هذا القانون:
فقد تمت المصادقة على مشروع القانون في صيغته الأولى من طرف المجلس الحكومي بتاريخ 12 يونيو 2008، ثم المجلس الوزاري بتاريخ 8 يوليوز 2008، وصادق عليه مجلس النواب بتاريخ 13 يناير 2010، قبل مصادقة مجلس المستشارين عليه بتاريخ 12 يوليوز 2011، ليتم تقديم المشروع في اطار قراءة ثانية أمام اللجنة المختصة بمجلس النواب.
وعقب تعيين الحكومة بعد دستور 2011، تمت المصادقة على المشروع من طرف مجلس الحكومة بتاريخ 16 غشت 2012، وأحيل على مجلس النواب بتاريخ 31 دجنبر 2012. وتمت إحالته على لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بتاريخ 10 يناير 2013، وتمت المصادقة عليه في الجلسة العامة بتاريخ 31 يوليوز 2013 بالإجماع.
وعليه يتضح جليا أن القانون اعتمد على دراسة متقادمة أعدت سنة 2005، ولا تعكس المعطيات الجديدة حول قطاع السكن، كان الأجدر تحيينها لدراسة أثر هذا القانون في المستقبل ومن ثم معالجة الاخلالات والحد من النزاعات القائمة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان من المفروض أن يتم إعداد هذا القانون من طرف وزارة العدل، لما راكمته من تجربة تسمح لها بالوقوف على مكامن الخلل، بالنظر لارتباطها، أي الوزارة، بمجال العدالة، وتجميعها للمعطيات الخاصة بإشكاليات التطبيق من خلال العمل القضائي.
الملاحظة الثانية: حول الكتابة ومدى إلزاميتها.
بمجرد صدور هذا القانون طرحت الكتابة في إبرام العقد إشكالية لدى المهتمين، حينما نص المشرع على وجوب إبرام عقد الكراء بمحرر كتابي ثابت التاريخ ( المادة 3 من القانون 67.12)، فوقع اختلاف بين فريقين حول تفسير هذه المادة، فهل الشكلية هنا هي شكلية انعقاد أم شكلية إثبات؟
اعتبر الفريق الأول الكتابة شكلية انعقاد، بالنظر للصيغة التي جاء بها النص (وجوبا)، فهي قاعدة ملزمة، يتعين الامتثال لها، لأن من شأن ذلك التقليص من عدد النزاعات والقضايا التي تثار أمام المحاكم بخصوص:
• إثبات واقعة الكراء
• وإثبات الوجيبة الكرائية
• بالإضافة إلى محاربة التملص الضريبي
بينما ذهب الفريق الثاني، إلى أن المشرع لم يرتب أي جزاء عن مخالفتها، فلو أنه أراد إلزامية الكتابة لرتب البطلان صراحة عن عدم استيفاء هذه الشكلية عند الانعقاد.
كما اعتبر هذا الفريق أنه عندما يقوم الخلاف حول الشكلية المضمنة في نص قانوني هل تصلح للانعقاد أم للإثبات، وكانت الرضائية هي الأصل، يتعين الركون إلى القول أنها شكلية للإثبات ارتباطا بالأصل.
لكن، بالرجوع إلى الصيغة الأصلية للمادة 3، كما تم إحالتها على البرلمان، نجدها جاءت على الشكل التالي: "يبرم عقد الكراء بموجب محرر كتابي يتضمن...."، وأن كلمة 'وجوب' تم اقتراح إضافتها أثناء مناقشة المشروع أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، لدورة أبريل 2013.
كما أنه بالاطلاع على التقرير المعد من طرف لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، نجد أنه تضمن طرح سؤال حول مسألة الكتابة إذ جاء فيه ما يلي:" تم التساؤل هل العقد الكتابي منشئ للعلاقة الكرائية أو مثبت لها؟ وتمت الإفادة أنه إذا كان منشأ فإن جميع العقود الكرائية غير المحررة يمكن طلب طرد سكانها لوجود سبب الاحتلال بدون سند وإذا كان المقصود هو كوسيلة للإثبات فهو أمر آخر وعليه تمت المطالبة بالتدقيق في هذا الأمر".
وهو ما يوضح أن هاته الاشكالية كانت حاضرة أثناء مناقشة القانون، غير أنه لم يتم الجواب عنها، لا من طرف الحكومة ولا من طرف أعضاء اللجنة، وظلت الأمور كما هي.
قد يقول قائل أنه بمراجعة النص القانوني بكامله سنجد أن كل ما يأتي فيه لن يكون له معنى إلا بوجود وثيقة مكتوبة، انطلاقا من استيفاء الوجيبة الكرائية التي تلزم الاستفادة من المسطرة السريعة التوفر على محرر كتابي أو حكم نهائي (المادة 22 من ق 67.12)، مرورا بمسطرة مراجعة الوجيبة الكرائية (المادة 38 ق 67.12)، وغيرهما من المساطر.
غير أنه، ينبغي على المشرع أن يتحلى بنظرة شمولية، لا تنحصر في المدن الكبرى كالرباط والدار البيضاء، ويستحضر صعوبة التعاقد كتابة وبمحرر ثابت التاريخ بالنسبة للمناطق النائية، وتلك التي تكثر فيها الرضائية في جميع المعاملات، من أجل ذلك نخرج قليلا من إشكالية الانعقاد والإثبات ونطرح السؤال التالي: هل الكتابة شرط لتطبيق هذا القانون؟ لكون هذا السؤال هو ما يشغل بال الممارسين.
للجواب عنه، نقف عند الباب الأول من القانون رقم 67.12 الذي جاء تحت عنوان "نطاق التطبيق"، والذي تم حصره في شرطين اثنين لا ثالث لهما، الشرط الأول هو تخصيص المحل للسكنى أو الاستعمال المهني، أما الشرط الثاني فهي المدة التي ينبغي أن تتجاوز ثلاثين يوما(المادة الأولى).
وبالتالي، فالقانون، لم يجعل من الكتابة شرطا لتطبيقه، عكس القانون رقم 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي، الذي أدخل الكتابة ضمن شروط التطبيق (الباب الأول: شروط التطبيق/ الفرع الثاني شرط الكتابة المادة 3 ق 49.16).
هذا فضلا عن كون المشرع، حينما أراد أن يجعل من الكتابة إلزامية فقد أقر بطلان التصرف لعدم احترامها، إذ أوجب القانون موافقة المكري على التولية، التي ينبغي أن تأتي كتابة، وإلا كان التصرف باطلا بقوة القانون (المادة 41 ق 67.12).
ونتيجة لما سبق، يمكن القول أن المشرع لم يجعل من الكتابة شرطا لتطبيق هذا القانون، وإنما هو شرع لتحفيز الأطراف على إبرام اتفاقاتهم بشكل كتابي، في مجال تغلب فيه الرضائية، في أفق تهييئ المجتمع لإلزامية الكتابة.
الملاحظة الثالثة: حول التماطل في الأداء هل هو سبب لإنهاء عقد الكراء أم سبب لفسخه؟ إن عدم أداء الوجيبة الكرائية يعد من بين أهم القضايا المعروضة على أنظار محاكم المملكة، غير أنه من الملاحظ أن القانون رقم 67.12 ضمنها في مادتين مختلفتين، الأولى جاءت في الباب السابع تحت عنوان إنهاء عقد الكراء، والثانية في الباب الثامن تحت عنوان فسخ عقد الكراء، وهو ما أوقع اللبس لدى المهتمين.
إذ نجد المشرع اعتبر التماطل في أداء الوجيبة الكرائية سبب من أسباب إنهاء عقد الكراء (المادة 45 من قانو 67.12)، كما أنه أورد نفس السبب لكن بصيغة أخرى ضمن الأسباب الموجبة لفسخ العقد(المادة 56 من قانون 67.12).
والحال أن حالات إنهاء عقد الكراء تعود كلها لرغبة المكري، الذي يرغب إما في استرداد محله (المادة 45/2)، أو هدمه وإعادة البناء أو إدخال إصلاحات ضرورية تستوجب الإفراغ (م 45/3)، وبالتالي لا يرجع فيها السبب إلى خطأ المكتري.
بينما الفسخ حالاته كلها ناتجة عن إخلال المكتري بالتزاماته طبقا للمادة 56 من القانون رقم 67.12.
كنتيجة لما سبق فإن إقدام المشرع على إقحام التماطل في باب الإنهاء هو خلل تشريعي ينبغي التصدي له، من خلال تعديل فوري للنص لتفادي تضارب العمل القضائي، وسعيا نحو تجويد النص التشريعي، خاصة إذا ما علمنا أن النص، كما أحيل على البرلمان، لم يكن التماطل ضمن أسباب إنهاء العلاقة الكرائية الواردة في المادة 45 منه، بل تم إقحامه أثناء عرضه على البرلمان.
الملاحظة الرابعة: حول التعويض
تطرق المشرع المغربي من خلال قانون رقم 67.12 للتعويض في أربع مواد.
فقد اعتبر أن المكتري الذي يحتفظ بالمحل، بعد إنهاء العقد أو فسخه، يؤدي تعويضا لا يقل عن ضعف الوجيبة الكرائية، عن المدة الإضافية التي شغل فيها المحل (المادة 13 ق 67.12)، كما ألزم المكري بأدائه تعويضا لفائدة المكتري، إذا ما ثبت أنه واصل بسوء نية مسطرة المصادقة، في إطار المسطرة السريعة لاستيفاء الوجيبة الكرائية، بالرغم من توصله بمستحقاته، حينها يؤدي المكري للمكتري تعويضا عن الضرر يتراوح ما بين وجيبة كراء شهرين وستة أشهر (المادة 30 ق 67.12)، بالاضافة إلى أن المشرع قد قنن التعويض عن الإنهاء الذي يعود لأسباب لها ارتباط بالمكري، وحدده في وجيبة كراء سنة (المادة 51 ق 67.12)، دون أن ننسى أنه إذا تبين أن سبب الإنهاء الذي اعتمده المكري لإفراغ المكتري غير صحيح، أو أنه لم ينفذ من طرفه، جاز للمكتري المطالبة بتعويض يساوي قيمة الضرر الذي لحقه نتيجة الإفراغ، لا يمكن أن يقل عن وجيبة سنة.
وهكذا، نلاحظ أنه من بين أربع حالات للتعويض المنصوص عليها في القانون رقم 67.12، ثلاثة منها هي لصالح المكتري (3/4)، وهنا يمكن القول أن المشرع سعى لإضفاء حماية أكثر للمكتري على حساب المكري.
كما تجدر الإشارة، إلى أن التعويض عن التماطل لم يقننه المشرع في هذا القانون، وتركه يخضع للسلطة التقديرية للقاضي المعروض عليه النزاع، ولا ندري لماذا لم ينح المشرع إلى تحديده كما فعل مع باقي التعويضات المشار إليها، خاصة وأنه يلاحظ تضارب في تحديد التعويض عن التماطل بين مختلف محاكم المملكة، فأحيانا تصدر أحكاما بتعويض هزيل لفائدة المكري، مما قد يعتبر تشجيعا على التماطل، فقد قضت المحكمة الابتدائية بالرباط بتعويض عن التماطل قدره 500 درهم، بعدما فسخها للعلاقة الكرائية وأداء المكتري لما مجموعه 132.000,00 درهم، الناتج عن عدم أداء الوجيبة الكرائية، وقد جاء في تعليل هذا الحكم ما يلي:
"حيث إن المدعى عليه لم يدل بأي جواب في الموضوع ولم ينازع في ما يدعيه المدعي بخصوص واجب الكراء المطالب به ضمن المقال رغم إعلام وإمهال دفاعه للجواب بعدة جلسات مما يجعل مديونيته ثابتة ويتعين الحكم عليه بأدائه، وحيث إن تماطل المدعى عليه ثابت في عدم أدائه لواجب الكراء بعد توصله بالإنذار وعدم إثباته للأداء له ولو بسلوكه لمسطرة العرض العيني والإيداع له بصندوق المحكمة لأجله يتعين الحكم عليه بأداء تعويض عن التماطل تحدده المحكمة في مبلغ 500 درهم".
وهكذا، فالمحكمة ارتأت بما لديها من سلطة تقديرية في تحديد التعويض في المبلغ المشار إليه، هذا الحكم تم تأييده استينافيا فيما يتعلق بالتعويض وقد اعتمدت محكمة الاستيناف في تعليلها ما يلي:
"حيث التمس المستأنف فرعيا (المكري) الحكم بتعديل الحكم المستأنف فيما تعلق بمبلغ التعويض عن التماطل ورفعه لمبلغ 15.000 درهم.
وحيث إن المبلغ المحكوم به إنما راعى حجم الضرر وكون المستأنف عليه قد حكم له بكافة المبالغ المطالب بها مما يجعل الضرر مجبورا بالمبلغ المحكوم به ومراعيا لحجمه.
وحيث إن ما استند عليه من سبب للإستيناف غير مؤسس وما قضى به الحكم الابتدائي مصادف للصواب وناسب ذلك تأييده عللا ومنطوقا".
وبناء عليه، يتضح كيف أن القضاء، وبناء على سلطته التقديرية، اعتبر أن عدم توصل المكري بالوجيبة الكرائية على مدى أكثر من سنة، بالرغم من المبالغ المهمة التي تخلذت في ذمة المكتري، ومدى تأثيرها على مصالح المكري، لا تستوجب إلا تعويضا لا يتجاوز 500 درهم، خاصة وأن تعليل القرار الاستينافي اعتبر بشكل غريب أن الاستجابة لكافة طلبات المكري من خلال الحكم له بما تخلذ في ذمة المكتري من وجيبة كرائية يجعل الضرر مجبورا، في حين أن جبر الضرر لا يعوضه الحكم بما هو مطلوب، وإنما التعويض ينبغي أن يساوي حرمانه من تلك المبالغ التي يستحقها طيلة فترة التماطل، واضطراره، أي المكري، للجوء إلى القضاء، كل هذا الضرر اعتبرته المحكمة يُجْبَرُ بمجرد الحكم بأصل المديونية، وهو أمر لا يستقيم، وفيه حيف، وتشجيع للطرف المتماطل عن الأداء.
من أجل ذلك كان من المفروض على المشرع المغربي أن يقنن التعويض عن التماطل بدوره، ولو بجعل حد أدنى وأخر أقصى، كما فعل مع باقي التعويضات.

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.