في خطابه أمام البرلمان المغربي، رسم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صورة طموحة لعلاقة مغربية-فرنسية تتجاوز حدود التعاون التقليدي، لتصبح نموذجًا فريدًا في مجالات الأمن، الاقتصاد، التعليم، والثقافة.
زيارة ماكرون للمغرب لم تكن مجرد زيارة بروتوكولية، بل جاءت محملة برؤية استراتيجية تعكس إصرار البلدين على بناء مستقبل مشترك يقوم على أسس التكامل والتنمية المستدامة، ويجعل من منطقة البحر الأبيض المتوسط حلقة وصل حضارية تعزز من التواصل الإنساني والثقافي، عوضًا عن كونها نقطة توتر تتعلق بقضايا الهجرة والتدفقات البشرية.
تعزيز التعاون الأمني والقضائي:
أكد ماكرون على أهمية التعاون الوثيق والسريع في المجال القضائي بين المغرب وفرنسا، مشيرًا إلى أن من مسؤولية الدولتين بناء "مساحة محكمة للأمن والسلامة".
هذا التعاون، كما وصفه، هو حجر الزاوية لشراكة استثنائية تتيح للناس حرية التنقل للتعلم أو العمل أو إقامة روابط متينة.
وشدد ماكرون في هذا السياق على أن هذا النوع من التعاون هو ما سيعيد لمنطقة البحر الأبيض المتوسط دورها كصلة وصل بين الدول والثقافات، بدلاً من أن تكون مجرد نقطة نزاع حول تدفق البشر والهجرة.
دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية:
أشاد ماكرون بالدور الذي تلعبه فرنسا في دعم الاقتصاد المغربي، حيث أشار إلى أن فرنسا تعد المستثمر الأجنبي الأول في المغرب، ما يسهم في توفير فرص العمل وزيادة الخبرات.
كما أشار إلى وكالة التنمية الفرنسية، التي يعتبر المغرب أول شريك عالمي لها، والتي تعمل على دعم المشاريع المتوافقة مع "النموذج التنموي الجديد" للمملكة المغربية، بما يعكس التزام فرنسا برؤية المغرب التنموية على المدى البعيد.
ومن بين المشاريع البارزة التي استعرضها، أشاد ماكرون بمشروع القطار فائق السرعة (TGV) الذي تم إنشاؤه بالشراكة مع فرنسا، وعبّر عن فخره بأن تواصل الدولتان العمل سويًا في هذا المشروع الرائد.
كما أكّد الرئيس الفرنسي على أن هذا التعاون يعكس الثقة المتبادلة بين البلدين ويعزز سمعة فرنسا كشريك موثوق في المشاريع الاستراتيجية الكبرى.
تعزيز التبادل الثقافي وتطوير الصناعات الإبداعية:
إلى جانب الاقتصاد والأمن، عبّر ماكرون عن أهمية التعاون الثقافي بين البلدين، مؤكدًا أن الصناعات الثقافية والإبداعية تلعب دورًا محوريًا في جاذبية المغرب.
إذ تسعى كل من فرنسا والمغرب إلى جعل الثقافة والصناعات الإبداعية عنصرًا أساسيًا في جذب الاستثمارات وتطوير السياحة وتعزيز صورة المغرب كمركز ثقافي متنوع، مما يعكس رغبة مشتركة في إرساء هوية ثقافية عابرة للحدود تعزز من روابط الشعوب.
تكامل الرؤية للمستقبل:
في مجمل خطابه، شدد ماكرون على ضرورة تكوين رؤية مشتركة للمستقبل بين البلدين، وهي رؤية تتسم بالشمول والطموح. أكد أن المغرب وفرنسا يتشاركان قيماً ومبادئ تساعدهما على العمل معًا لمواجهة التحديات المشتركة. ودعا إلى عدم الاكتفاء بالحلول المؤقتة، بل إلى بناء طموح طويل الأمد يحقق تنمية مستدامة.
وفي الختام لقد أبدى الرئيس الفرنسي التزام بلاده بتعزيز شراكتها مع المغرب على جميع المستويات، من الأمن إلى التنمية الاقتصادية، ومن الثقافة إلى التعليم. لم يكن خطابه مجرد إشادة بالعلاقات القائمة، بل كان دعوة حقيقية لرسم مستقبل مشترك يعكس طموحات البلدين ويضع الأسس لشراكة تدعم الاستقرار والتنمية وتفتح آفاقًا واسعةً للأجيال القادمة.