قرار خفض التأشيرات..اسلوب "انتخابي صِرف" و"غير مبرر"

أثار قرار الحكومة الفرنسية تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة إلى النصف ردود فعل غاضبة من قبل مغاربة فرنسا باعتبراه قد يقيد حريتهم في التنقل.

وتعقيبا على القرار الفرنسي، قالت هيئة من مغاربة فرنسا إنه يتعارض مع “مصالح فرنسا المرساة في المغرب”، ووجهت إليه انتقادات لاذعة.

واعتبرت جمعية “فرنسيي العالم-(ADFE) المغرب” هذا القرار “مسا بالغا بتنقل الأشخاص على المستوى الدولي”، ونددت به وبـ”انطلاقه من خلط بين سياسة تنقل الأشخاص وسياسة الهجرة في السياق الذي يسبق الانتخابات والذي نعرفه جميعا”.

وقالت الجمعية إن هذا القرار “ضد مصالح فرنسا بالمغرب”، خاصة بعدما قدم “كإجراء عقابي” لبلد “يستقبل على ترابه عشرات الآلاف من الفرنسيين”، كما أن له “مصالح اقتصادية واستثمارات فرنسية مهمة”.

وانتقدت الجمعية في بلاغ لها طبيعة وسياق هذا القرار الذي يثبت أنه “في حالة فشل المحادثات الدبلوماسية، من المشروع اتخاذ عقوبات على الساكنة في بلد من البلدان”.

وطالب “فرنسيو العالم” بـ”سحب هذا المشروع”، وما يحمله من “مس بحق المواطنين المغاربة في التنقل”، و”تقديم عشوائي وغير عادل للتأشيرات”.

وأبدى المصدر ذاته تخوفه “من تأثيرات القرار على العائلات، والتعاون بين فرنسا والمغرب، وبين فرنسا والدول المغاربية، في سياق صحي جعل أصلا التبادل أكثر صعوبة، وجعل الأوضاع العائلية والمهنية أكثر تعقيدا”.

في حين بررت فرنسا خطوتها الأخيرة بكون المغرب لم يعمل على إرجاع الأشخاص في وضعية غير قانونية. ووفقا للأرقام التي قدمتها وزارة الداخلية بين يناير ويوليوز، فقد تمكنت الحكومة الفرنسية من ترحيل 80 مغربيا دخلوا إلى فرنسا بشكل غير قانوني، بينما هناك أكثر من 3 آلاف مغربي مطالب بمغادرة التراب الفرنسي.

وبدأت فرنسا مسلسل التقليص في التأشيرات الممنوحة للمغاربة خلال عام 2019؛ إذ أصدرت مصالحها المختصة 346 ألف تأشيرة للمواطنين المغاربة من أجل السياحة والعمل والاستشفاء والدراسة.

ويشكل المغاربة، الذين يبلغ عددهم 43 ألف شخص، أكبر جالية للطلاب الأجانب في فرنسا، متقدمين على الصينيين، فيما تقلص هذا الرقم خلال السنة الماضية إلى 11300.

وبالنسبة لمصطفى الطوسة، إعلامي محلل سياسي مقيم في باريس، “يجب وضع القرار الفرنسي بتخفيض التأشيرات الممنوحة للمغاربة في إطار ظرفية سياسية فرنسية داخلية”.

وقال الطوسة: “هناك منافسة حادة بين مختلف الفاعلين السياسيين، سواء تعلق الأمر باليمين المتطرف بزعامة مارين لوبين، أو باليمين الأكثر تطرفا بزعامة السياسي إريك زمور”.

وقال في تصريح اعلامي “هناك منافسة حادة بين من يقترح أكثر الإجراءات تشددا ضد الأجانب والمهاجرين”، معتبرا أن “الرئيس ماكرون يريد أن يبعث برسائل إلى الداخل الفرنسي مفادها أنه قادر على اتخاذ إجراءات حازمة”، وبالتالي طمأنة الرأي العام الفرنسي الخائف من تداعيات الهجرة.

وتابع الطوسة بأن “هذه الخطوة بكل تداعياتها موجهة إلى الرأي العام الفرنسي الذي بدأ يخشى من صعود الجاليات المسلمة والمهاجرين”.

وأردف قائلا: “هناك وعي بأن مثل هذه الخطوات يمكن أن تؤثر سلبا على جودة العلاقات التي تريد فرنسا إقامتها مع دول المغرب العربي”، موضحا أن “هناك منافسة كبيرة، ثقافية واقتصادية واستراتيجية، على دول المغرب العربي، ومثل هذه الخطوة يمكن أن تؤثر على جودة الاتصالات بين فرنسا وهذه الدول”.

وقررت فرنسا خفض عدد التأشيرات التي تمنحها للمغاربة إلى النصف، مبررة ذلك برفض الرباط استعادة عدد من المهاجرين الذين صدرت في حقهم قرارات الترحيل. وسيتضرر من هذه الخطوة حوالي 150 ألف مغربي ومغربية.

وبحسب معطيات حديثة صادرة عن وزارة الداخلية الفرنسية، فقد حصل المغاربة سنة 2020 على أكثر من 98 ألف تأشيرة دخول إلى فرنسا، مقابل 346 ألفا سنة 2019، وحوالي 303 آلاف سنة 2018، و295 ألفا سنة 2017.

وأخذا بعين الاعتبار كون معدل التأشيرات الفرنسية الممنوحة للمغاربة ناهز في السنوات الأخيرة 300 ألف، فإن قرار باريس الجديد سيخفضها إلى النصف، ما يعني حرمان 150 ألف مغربي من زيارة فرنسا.

ووفق ما صرح به الناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية غابريال أتال، الثلاثاء، فإن قرار تشديد شروط منح التأشيرات يهم أيضا مواطني الجزائر وتونس، وذلك ردا على رفض هذين البلدين المغاربيين إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجرين من مواطنيهما.

و اعتبر وزير الخارجية، ناصر بوريطة، قرار فرنسا تشديد شروط منح تأشيرات السفر لمواطنيه "غير مبرر".

ويرى مراقبون للشأن السياسي بفرنسا، أن موضوع الهجرة يسيطر على المشهد الانتخابي ولا يمكن إنكار ذلك، لاسيما أنه قضية طاغية بسبب كثرة المهاجرين في أوروبا، مؤكدين أنه عند الحديث عن الهجرة في الحملات الانتخابية، نجد مطالبات بتعديلات قانونية على السياسات.

واعتبر ملاحظون إعلان خفض التأشيرات في اليوم الذي عرضت فيه المرشحة الرئاسية اليمينية المتطرفة، مارين لوبن، مسودة مشروعها لاستفتاء الهجرة، أسلوبا انتخابيا صرف لكسب المزيد من الأصوات، على عكس ما قام به ماكرون والحكومة.

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.