لا يجادل إثنان في أن سلامة المدينة القديمة لآسفي أصبحت مهددة أكثر من أي وقت مضى وأضحت ذاكرتها التاريخية عرضة للزوال من حين لآخر..كيف لا وهي ( المدينة) العائم جزء منها فوق مياه البحر المتسربة عبر الشقوق والتصدعات الجد متقدمة التي يعاني منها جرف أموني ..هذا الجرف الذي تتهاوى يوما عن يوم أجزاء منه في البحر ومعها أجزاء من المعلمة التاريخية البرتغالية لقصرالبحر مما بات يتهدد ذاكرة آسفي المدينة القديمة بنايات وساكنة وموروث روحي ( خلوة سيدي الجزولي ، رباط الشيخ أبي محمد صالح ، سيدي بو الذهب ، المسجد الأعظم ، الكنيسة البرتغالية ،الزوايا ..) وتراث تاريخي عربي إسلامي ومسيحي ويهودي ثقافي وعمراني وفني ضارب في أعماق التاريخ ..
ومع ذلك ، تم التعامل مع الموضوع من طرف المتعاقبين على تدبير شأن المدينة واختزاله في حادث انهيار أجزاء من السور البرتغالي المعروف بقصر البحر وتم وضع العديد من السيناريوهات من أجل ترميمها ..سيناريوهات أثبتت مع مرور الوقت وتوالي انهيارات أجزاء مهمة من المعلمة التاريخية وحاملها جرف آموني محدوديتها واتضح أن المشكل أعمق من ذلك بكثير وأن التهديد شامل ويهم جزء من مدينة آسفي في طريقه إلى الزوال لا قدر الله بسبب تلاطم أمواج المحيط على الجرف الذي أصبح يعاني من شقوق وتصدعات وثقوب عميقة ساهمت في تسرب المياه تحت مباني المدينة القديمة ..
وضع لم يعد يحتمل السكوت ولا التأخير أكثر وارتفعت العديد من أصوات أبناء آسفي تدق ناقوس الخطر وتطالب من الجهات المسؤولة بأخذ ملف معالجة جرف أموني وقصر البحر على محمل الجد والتحلي بالشجاعة اللازمة للتعاطي معه خاصة وأنه أصبح يشكل تهديدا حقيقيا يحدق بالمدينة القديمة وبساكنتها وزوارها ومهددا حتى المعلمة التاريخية " دار السلطان" .. مما حدا بمجلس جهة مراكش آسفي غداة انتخابه إلى التقاط الإشارة والتجاوب مع انتظارات الآسفيات والآسفيين بوضع ملف معالجة جرف أموني وقصر البحر في مقدمة الملفات التنموية الخاصة بإقليم آسفي والتي تسترعي باهتمام أعضائه وفي مقدمتهم الرئيس " أحمد اخشيشن" الذي وفي أول زيارة له لآسفي على عهد الوالي السابق للجهة " عبد الفتاح البجيوي" كان ملف
معالجة جرف أموني في مقدمة الملفات التنموية التي نوقشت آنذاك والتزم مجلس الجهة بالتكفل به..
ولهذه الغاية ،تم تكوين لجنة منبثقة عن المجلس للانكباب على هذا الملف أوكلت رئاستها للدكتور "علي بنعبد الرزاق " نائب الرئيس وأحد المدافعين بشراسة على إنقاذ جرف أموني ورد الاعتبار لمعلمة قصر البحر .. وكان أول عمل قامت به اللجنة ، حسب ما أدلى لنا به الدكتور " علي بنعبد الرزاق" هو البحث عن دراسة كانت قد قامت بها وزارة التجهيز سنة 2004 وبقيت حبيسة رفوف المكاتب بسبب ارتفاع الكلفة المالية للمشروع ، دراسة اهتمت بإشكالية جرف أموني في شموليته ولم تقتصر على قصر البحر فقط ، قام بها مكتب دراسات من الرباط وأشرف عليها المهندس " محمد الجريفي" وهو من أبناء مدينة آسفي الذي قدم دراسة موضوعية تقارب الإشكالية في شموليتها و تطرح الحلول الناجعة للتعاطي معها..إلا أن لا شيء تم آنذاك بسبب ارتفاع التكلفة المالية حسب المسؤولين عن تدبير الشأن العام والذين لم يكونوا يضعون ترميم قصر البحر ضمن أولوياتهم غير واعين بخطورة المشكل على المدينة القديمة وسلامتها وليبقى الحال على ما هو عليه منذ سنة 2004 ..
وعن الدور الذي قام به مجلس الجهة لتحريك الكلف ، يقول الدكتور علي : ما قام به المجلس في بداية تعاطيه مع إشكالية جرف أموني هو نفض الغبار على الدراسة المذكورة واتخاذ قرار تحيينها وعقد اجتماعات و لقاءات تحت إشراف المجلس بحضور السلطات المحلية بآسفي و المهندس " محمد الجريفي" صاحب الدراسة إياها وممثلين عن وزارة التجهيز وعن المختبر العمومي للتجارب والدراساتLPEE والعديد من الفاعلين والمهتمين بالثرات .. لقاءات أسفرت عن وضع تصور عام للتعاطي مع الإشكالية يستهل بتحيين الدراسة بحيث تم تهييء ملف متكامل بما فيه البطاقة التقنية التقديمية للمشروع ودفتر التحملات و تحديد ما هو مطلوب من مكتب الدراسات بخصوص عملية التحيين بصورة أكثر دقة .. وهي العملية التي التزمت بإنجازها وزارة التجهيز عبر مديريتها بآسفي وكان ذلك خلال اجتماع ترأسه " الحسين شاينان" العامل الحالي لإقليم آسفي والذي يضع مشكل جرف أموني ضمن أولوياته ويعتبر من أشد المدافعين عليه ..
وعن مصير عملية تحيين الدراسة ، يقول الدكتور بنعبد الرزاق بأنها وصلت الآن أشطرا جد متقدمة محددا شهر ماي 2019 كتاريخ لإعداد الشطر الخاص بالتكلفة المالية لمشروع الدراسة ..ليتم الاتصال بمختلف المتدخلين والمساهمين الداخليين في المشروع ومن بينهم بالإضافة إلى مجلس جهة مراكش آسفي ، المجمع الشريف
للفوسفاط ، المكتب الوطني للسكك الحديدية ، وزارة التجهيز ، وزارة الثقافة ، وزارة الداخلية ، وزارة السياحة ، المجلس الإقليمي لآسفي ، مجلس المدينة ..
وكان من بين الاجتماعات واللقاءات التي أشرف عليها مجلس جهة مراكش آسفي حول الملف ، اللقاء الأخير الذي عقد يومه الثلاثاء 22 يناير 2019 وترأسه الدكتور "علي بنعبد الرزاق" نائب الرئيس بحضور " تورية إقبال "رئيسة لجنة العمل الثقافي بالجهة و" رياض الطنطاوي " نائب رئيس مجلس مدينة آسفي وممثلين عن وزارة التجهيز وعن المختبر العمومي للتجارب والدراسات و جمعية ذاكرة آسفي وأكاديميين من دولة البرتغال حضروا في إطار اتفاقية الشراكة لمجلس جهة مراكش آسفي وجامعة " إيفورا EVORA" بالبرتغال مهتمين بالتراث الثقافي والتاريخي لدولتهم عبر العالم ..وهو اللقاء الذي أسفر ، حسب تصريح خصنا به الدكتور بنعبد الرزاق ، عن نتائج إيجابية عبر في أعقابه الضيوف البرتغاليون عن ارتياحهم للتصور الواقعي وللأمل الذي اكتشفوه لأول مرة في حل المشكل وأكدوا أنهم لن يدخروا جهدا في العمل من جانبهم ضمن اللجنة التي تم استحداثها خلال الاجتماع والبداية ستكون بعقد لقاء أول لتلك اللجنة بسفيرة البرتغال بالمغرب ، كما التزموا بالترافع على الملف على مستوى مسؤوليهم الحكوميين بالبرتغال وضمن مؤسسات ومنظمات دولية مهتمة بالتراث كمنظمة اليونسكو ..
الأمل كل الأمل لدى الآسفيات والآسفيين ، وقد أصبحت لدى الجميع مسؤولين ترابيين ، مجالس منتخبة،مثقفين ، فاعلين جمعويين واقتصاديين ، مواطنين عاديين.. نفس الرؤية حول موضوع جرف أموني وحول ضرورة معالجته حفاظا على سلامة المدينة القديمة بكل مكوناتها ، أملهم أن يساهم المشروع في رد الاعتبار لمدينة آسفي ومصالحة ساكنتها وزوارها مع المحيط الأطلسي من خلال خلق مسار سياحي وكورنيش في مستوى التطلعات ..