العضراوي:جائحة كورونا تفضح الوضع اللا إنساني لعاملات التصبير بآسفي

الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بسبب وزير في الحكومة يقولون إنه هضم حقوق عاملة لديه، فها هو ملف آلاف العاملات في مصانع تصبير السمك في مدينة آسفي ومثله العشرات في مدن اخرى تعرف قطاعات عمل نسوي، في حاجة لمن يدافع عنه على كافة المستويات النقابية والمدنية والحقوقية والإنسانية..! فئة من فصيلة المعذبون في الارض تعاني في صمت وتكابد الاهمال والتهميش واللامبالاة. أخلاقيات الرأسمالية المتوحشة التي طبعت نمط الانتاج الحالي بطابعها العولمي، جعلت العنصر البشري في اخر قائمة اهتماماتها، وما تتعرض له هذه الفئة المحرومة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المكتسبة سواء محليا او وطنيا جعلها نموذجا صارخا للاستغلال والاستعباد الرأسمالي المقنن الذي لا يرحم . لا اريد ان اتحدث عن الوباء الذي جرفهن بغثة وخلق بؤر تفشي فيروس كوفيد 19 بشكل مخيف في كل مكان من حيث اصبحت المدينة بمحيطها الجغرافي خائفة من كارثة غير متوقعة كنا في غنى عنها، ولكن هدفي من هذا المقال اساسا، هو طرح الملف الاجتماعي لهذه الفئة العاملة ومناقشته، فآلاف العاملات تتلاعب بمصيرهن باترونا صناعة تصبير السمك في مدينة اسفي، واضعة يدها في يد تمثيلية عمالية هشة مصلحية وغير فعالة، سواء في هذا القطاع او في غيره من القطاعات الاخرى، فاغلب التمثيليات العمالية ليم تعد منذ وقت بعيد، سوى مظهرا شكليا من مظاهر تجلي السلطة السياسية على المجتمع. النقابة غالبا ما صارت تغض الطرف عن حقوق الشغيلة المهضومة وتكون في صف الباطرونا ضدا على مصلحة العاملين بمبررات واسباب كثيرة، أما جمعيات المجتمع المدني فهي على الدوام تتجاهل الوضع وتبحث عن إثارة الإشكالات ذات الطبيعة السياسية كما يجري حاليا في قضية الوزير الرميد التي تحولت إلى تصفية حسابات سياسية والضرب تحت الحزام، كأن الرجل هو الوحيد في سربه الذي هضم حقوق عاملة عنده. اما المؤسسة بكل تشكيلاتها الدستورية الإدارية والمنتخبة، فهي كالعادة لا تعير اهتماما لهذه الفئة المستضعفة من العاملات ولا تنظر اليها سوى كونها بقرة حلوب ومصدر لجني الارباح التي تدر الثروات الطائلة يتقاسم ربعها ارباب العمل والمحظوظين الذين يقدمون الخدمة لتسهيل طرق وسبل الاستغلال واقبار المطالب العمالية.
تشتغل هذه الفئة من العاملات في ظروف جد سيئة وتحت اكراهات تذكر ببداية العصر الصناعي في اوروبا، تعاني من أصناف شتى من المعاملة السيئة والتجاوز وهضم الحقوق والاهمال. تشتغل بأقل من الحد الأدنى من الأجر، منذ الفجر حتى نهاية النهار، ولا يتعدى اجرهن “السميك” المعمول به في قطاع الصناعة والتجارة 1200 درهم للشهر، يتم حساب الاجر على قاعدة عملية تلاعب مكشوفة في ساعات العمل، ويتم حرمانهن من التعويضات العائلية وسائر الامتيازات المنصوص عليها في مدونة الشغل.
في هذا القطاع بالذات ومنذ عشر سنوات تقريبا تم الإعلان عن توقيع اتفاقية جماعية لقطاع التصبير رفعت ملفات مطلبية الى ارباب العمل، سرعان ما تم اقبار تلك المطالب بدون مبررات واضحة.. ليبقى السؤال الاجر مطوحا بحدة بالنسبة لعاملات تصبير السمك باسفي وكم يتقاضين في اليوم ثمنا عن الساعات الطوال عمل يومي؟ وكم عاملة توجد في سجل الضمان الاجتماعي؟ وكم واحدة تمتعت بتغطية صحية عند المرض؟ وكم واحدة تمتعت في الحق في عطلة سنوية مؤدى عنها؟ وكم واحدة تمت احالتها على التقاعد طبقا لقوانين الشغل الجاري بها العمل؟
أن التساهل في الحقوق وغض الطرف عن المكتسبات وتجاهل المطالب، ولد الاستهتار الشنيع الذي وجد سندا في العبت والتلاعب والمصلحية، فتم التعتيم على الحقوق الدستورية لتلك الفئة العاملة المقهورة، والان في سياق الفاجعة التي اصابت المئات منهن بالوباء وما سوف يعانين من تبعات صحية وفقدان العمل وبالتالي فقدان مصدر العيش، فقد حان الوقت لطرح الملف الاجتماعي لعاملات تصبير السمك بأسفي على اعلى مستوى ضمن سياق استثنائي مستعجل لتسوية أوضاعهن الاجتماعية وتمتيعهن بكافة الحقوق المنصوص عليها في مدونة الشغل وانصافهن ليس فقط كفئة هشة ومظلومة ولكن كرد للاعتبار الذي يستحقه النصف الثاني من المجتمع ان لم اقل المجتمع كله والذي يوجد في وضع انساني يضعنا جميعا امام مسؤولياتنا وامام التاريخ.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *