التعديل الحكومي أفقه الزمني الدخول السياسي الحالي

منذ الخطابين الملكين الأخيرين بمناسبة عيد العرش وعيد ثورة  الملك والشعب اشتغل  الرأي العام بشكل كبير بموضوع التعديل الحكومي المرتقب دون معرفة أي شيئ عنه على كافة المستويات : مرجعياته وآلياته وأسسه وأهدافه ونخبه وأفقه الزمني واطاره.

أولا قبل أي حديث عن التعديل المرتقب يجب الإشارة انه جاء كمطلب ملكي وليس كمطلب حكومي، بمعنى ان صاحب الجلالة هو من كلف رئيس الحكومة في خطاب عيد العرش إجراء تعديل حكومي عبر تحديد معالمه وآلياته وأهدافه وسقفه الزماني واطاره.

السياق العام للتعديل الحكومي:

لا يختلف اثنان  ان الشعار العريض  لسياق  التعديل المرتقب هو خطورة الازمة الهيكلية ،واتساع دائرة فقدان الثقة في المؤسسات وتردي الفعل السياسي وتطاحن الاحزاب و اتساع دوائر الفوارق الاجتماعية والاختلالات المجالية وتراجع قيم الوطنية والمواطنة، وضع اجتماعي واقتصادي صعب عام اصبح يؤلم حتى ملك البلاد ذاته.

الخطاب الملكي ومبررات التعديل:

اعتبر خطاب عيد العرش  اجراء تعديل حكومي بالأمر الضروريفي ظل فشل النموذج التنموي، والسياسات العمومية التي تقوم بها الحكومة ومن أهمها:

  • عدم تأثير الإصلاحات والاوراش والمشاريع الكبرى في تحسين ظروف عيش المواطن، وتلبية حاجياته اليومية، خاصة في مجال الخدمات الاجتماعية الأساسية،والحد من الفوارق الاجتماعية، وتعزيز الطبقة الوسطى.
  • عجز النموذج التنموي، خلال السنوات الأخيرة، عن عدم قدرته على تلبية الحاجيات المتزايدة لفئة من المواطنين، وعلى الحد من الفوارق الاجتماعية، ومن التفاوتات المجالية. الامر الذي دفع الملك للدعوة لمراجعته وتحيينه.
  • ضعف الخدمات الاجتماعية الأساسية، وأداء المرافق العمومية.

الخطاب الملكي خارطة طريق الإصلاح :

امام عجز النموذج التنموي وضعف أداء السياسات العمومية للحكومة حدد الخطاب الملكي معالم خارطة طريقالعملالحكومي لاستدراك ضعف أدائها ،نقدمها على الشكل التالي:

  • دعوة الحكومة للشروع في إعداد جيل جديد من المخططات القطاعية الكبرى، تقوم على التكامل والانسجام، من شأنها أن تشكل عمادا للنموذج التنموي، في صيغته الجديدة.
  • تدشين مرحلة جديدة في تدبير الشأن العام قوامها: المسؤولية والإقلاع الشامل.

لكن هذه المرحلة لن تكون سهلة وفق الخطاب الملكي لكونها ستواجه عدد من التحديات والرهانات الداخلية والخارجية، التي يتعين كسبها؛ وفي مقدمتها:

  • استرجاع الثقة في النفس وتوطيد ثقة المواطنين في انفسهم وفي مؤسساتهم  وفي المستقبل وهذه مسالة أساسية في زمن هيمنت فيه ثقافة الياس والعدمية وتراجعت فيه قيم الانتماء والمواطنة، لانه يصعب على أي شعب او دولة التقدم بدون ثقة في النفس وفي المؤسسات وفي المستقبل.
  • الطلاق مع ثقافة الانغلاق على الذات، خاصة في بعض ا لميادين، نحوالانفتاح على الخبرات والتجارب العالمية، باعتبار ذلك عماد التقدم الاقتصادي والتنموي. فالانفتاح هو المحفز لجلب الاستثمارات، ونقل المعرفة والخبرة الأجنبية. وهو الدافع لتحسين جودة ومردودية الخدمات والمرافق، والرفع من مستوى التكوين، وتوفير المزيد من فرص الشغل.
  • ضرورة التسريع الاقتصادي والنجاعة المؤسسية لبناء اقتصاد قوي وتنافسي، من خلال مواصلة تحفيز المبادرة الخاصة، وإطلاق برامج جديدة من الاستثمار المنتج، وخلق المزيد من فرص الشغل.
  • الرفع من نجاعة المؤسسات وتغيير العقليات لدى المسؤولين، مع ضرورة احداث ثورة حقيقية في القطاع العمومي ثلاثية الأبعاد : ثورة في التبسيط، وثورة في النجاعة، وثورة في التخليق..
  • ربح رهان العدالة الاجتماعية والمجالية : لاستكمال بناء مغرب الأمل والمساواة للجميع.
  • مغرب لامكان فيه للتفاوتات الصارخة، ولا للتصرفات المحبطة، ولا لمظاهر الريع، وإهدار الوقت والطاقات.
  • ضرورة دعم المرحلة الجديدةبنخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيآت السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة.

الخطاب الملكي الدخول الحالي هو زمن اجراء التعديل الحكومي :

حدد خطاب العرش  زمن التعديل الحكومي ان لا يتجاوز أفق الدخول الحالي، لتقديم مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية،الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، وذلك على أساس الكفاءة والاستحقاق.

وعليه وعكس ما يتداول عند البعض فقد حدد الخطاب الملكي الدخول الحالي لان يكون هو  سقف زمن اجراء التعديل الحكومي ، بمعنى ان تشكيل الحكومة المرتقبة يجب ن لا تتجاوز الجمعة الثانية من شهر اكتوبر وفق ما ينص عليه الفصل 65 : ‘’يعقد البرلمان جلساته أثناء دورتين في السنة، ويرأس الملك افتتاح الدورة الأولى، التي تبتدئ يوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، وتُفتتح الدورة الثانية يوم الجمعة الثانية من شهر أبريل.

 

الخطاب الملكي وتكليف رئيس الحكومة بالتعديل:

حسم الخطاب الملكي بكيفية واضحة ان رئيس الحكومة هو المكلف بإجراء عملية التعديل  وتجديد مناصب المسؤولية الحكومية والإدارية ، وعليه فان تصريحات بعض زعماء الأحزاب السياسية  تبقى مجرد مناورات ليس الا... وهو ما يفسر ترداد رئيس الحكومة  كلمة  كلفني  ‘’جلالة الملك ‘’ واستعمالها امام قادة أحزاب الأغلبية الذين يريدون  ان يتدخلوا او يضغطوا عليه في عملية التعديل الحكومي.

الخطاب الملكي واهداف التعديل الحكومي :

من ابرز اهداف التعديل الحكومي والنموذج التنموي الجديد  هو الحاق  المغرب بركب الدول المتقدمة في سياق إقليمي ودولي مضطرب لا مكانة للدول الضعيفة فيه عبر نهج نموذج تنموي جديد  اكثر عدالة واكثر فاعلية.

الخطاب الملكي تجديد مناصب المسؤولية الحكومية والإدارية:

من غرائب وعجائب الأحزاب السياسية ان يختزلوا مضامين الخطاب الملكي في المناصب الحكومية دون الاهتمام المناصب الإدارية التي هي اكثر أهمية من المناصب الحكومية وهو ما يعكس عقلية زعماء أحزاب الأغلبية الحكومية واهتمامهم بالواجهة اكثر من ائ شيئ آخر.

 

الخطاب الملكي والحكومة والنموذج التنموي:

كان الخطاب الملكي واضحا  في جعل المواطن المغربي  صلب عملية التنمية، والغاية الأساسية منها عبر اختيار نموذجا تنموي جديد  يقوم بمهمة ثلاثية: تقويمية واستباقية واستشرافية، للتوجه بكل ثقة، نحو المستقبل.وهو نموذج مغربي- مغربي خالص.. ليكون عماد المرحلة الجديدة، التي حددنا معالمها في خطاب العرش الأخير: مرحلة المسؤولية والإقلاع الشامل.

لان  الغاية من تجديد النموذج التنموي، ومن المشاريع والبرامج التي أطلقناها، هو تقدم المغرب، وتحسين ظروف عيش المواطنين، والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، خصوصا بالعالم القروي للحد من فوارقه عبر الرهان على التكوين المهني، في تأهيل الشباب، وخاصة في القرى، وضواحي المدن، للاندماج المنتج في سوق الشغل، والمساهمة في تنمية البلاد.

بصفة عامة  يصعب الحديث عن التعديل الحكومي المنتظر سواء  في مرجعياته او الياته او أهدافه  او زمن اجراءه دون الرجوع للخطاب الملكي باعتباره المرجع/ الاساس لتقويم الاختلالات الاجتماعية والمجالية، وتصحيح المسار، والمحدد لمعالم خارطة العمل الحكومي والحزبي.

فكيف / وهل سيلتزم رئيس الحكومة وزعماء الأحزاب السياسية بمضامين الخطاب الملكي اثناء اختيار الوزراء وشخصيات المناصب السامية؟

 


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

تعليق 1
  1. هاجر محرز يقول

    استاذ ميلود اتظن ان احزابنا قادرة على اخراج نخب كما طلب الملك محمد السادس. اظن اننا مقبلون على بلوكاج مرة اخرى