تقرير دولي يضع المغرب في فئة "اللاعبين اليقظين" بمواجهة الجريمة المالية

يواصل المغرب جهوده لمكافحة الجريمة المالية والاقتصادية، غير أنه لا يزال يواجه تحديات ملموسة تعرقل تحقيق فعالية قصوى في هذا المجال، فقد كشف تقرير حديث صادر عن مركز الاستشارات العالمي "سيكرتاريات أدفايزرز" حول "الآفاق العالمية للجريمة المالية والاقتصادية لعام 2025" أن المملكة احتلت المرتبة 75 من أصل 177 دولة شملها التصنيف، استنادا إلى مؤشر مركب يأخذ بعين الاعتبار ثلاث مكونات رئيسية: غسل الأموال، الفساد، والجريمة المنظمة.

ويصنف التقرير المغرب ضمن فئة "اللاعبين اليقظين"، وهي ثاني أعلى فئة في التصنيف العالمي، من بين أربع فئات تحدد درجة المخاطر الاقتصادية المرتبطة بالجريمة المالية.
وحصل المغرب على معدل 2.14 من أصل 4 في مؤشر الجريمة الاقتصادية، وهو معدل يعكس يقظة السلطات التنظيمية المغربية، لكنه يبرز في ذات الوقت استمرار التهديدات المرتبطة بالجرائم المالية العابرة للحدود.

ويُظهر التقرير أن تطور الأنشطة المصرفية الدولية، وظهور العملات المشفرة، وانتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي في تنفيذ العمليات الاحتيالية، كلها عوامل زادت من تعقيد مهمة التصدي للجرائم المالية في المغرب، إلى جانب باقي دول فئة "اللاعبين اليقظين" التي تضم 64 دولة، بينها الإمارات، الهند، جورجيا، وتركيا.

ويرصد التقرير مواطن الضعف التي تؤثر على أداء المغرب في مواجهة هذه التحديات، ويحددها أساسا في محدودية تطبيق قوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وضعف الشفافية في بعض القطاعات المالية، إضافة إلى غياب التنسيق الفعال بين مختلف الهيئات الرقابية، وتأخر اعتماد تقنيات حديثة في الرقابة المالية مثل أنظمة المراقبة الفورية للمعاملات (RTTM)، ومنصات التكنولوجيا الرقابية (RegTech).

ويدعو التقرير إلى ضرورة تعزيز استقلالية الهيئات التنظيمية المغربية، وتكثيف الشراكة بين القطاعين العام والخاص لمواجهة الجرائم المالية بشكل أكثر فعالية، مع الإسراع في تبني الحلول التقنية المتطورة التي أصبحت ضرورة حتمية في التجارب الدولية الناجحة.

ويبرز التقرير أن دول أوروبا الشمالية واصلت تصدرها لقائمة الدول الأكثر شفافية في العالم، حيث احتلت فنلندا، الدنمارك، وإستونيا المراتب الأولى ضمن فئة "العمالقة الشفافين"، بتقييمات تراوحت بين 0 و1.53 نقطة على مؤشر الجريمة الاقتصادية، ما يعكس مستويات متقدمة من الشفافية والحكامة والتنظيم المالي.

في المقابل، تذيلت دول مثل ميانمار، أفغانستان، فنزويلا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية التصنيف، ضمن فئة "المتخلفين رقابيا"، بحصولها على معدلات تفوق 3.5، وهو ما يترجم تفشي الفساد وضعف الدولة وغياب الأطر التنظيمية والرقابية الفاعلة.

ويؤكد التقرير أن التعاون الدولي بات ضرورة استراتيجية في مواجهة التدفقات المالية غير المشروعة، التي يتوقع أن تصل قيمتها عالميا إلى ما بين 4.5 و6 تريليونات دولار سنويا بحلول عام 2030، وهو رقم صادم يهدد استقرار الأنظمة الاقتصادية العالمية.

ويحذر التقرير أيضا من اتجاه تصاعدي للجرائم المالية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، وتقنيات التزييف العميق (Deepfake)، وتوسع غسل الأموال عبر الأصول الرقمية، مقابل بطء واضح في تحديث الأطر القانونية في عدد من الدول، ومنها المغرب، لمواكبة هذه التحولات المتسارعة. ويشدد على أن تعزيز قدرات الدول لمواجهة هذه الجرائم يمر حتما عبر تحديث التشريعات، وتطوير آليات المراقبة، وتعزيز استباقية أجهزة الرقابة لملاحقة التطورات الجديدة في عالم الجريمة المالية الرقمية.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.