تقرير: هل يدخل المغرب موسمًا مائيا صعبا رغم تحسن حقينة السدود؟

رغم بعض الإشارات الإيجابية المسجلة في الأيام الأخيرة على مستوى عدد من الأحواض المائية، ما تزال مؤشرات الوضع المائي الوطني تدق ناقوس الإنذار مع بداية الموسم الفلاحي 2025-2026، في ظل تراجع حقينة السدود إلى مستويات مقلقة واستمرار تفاوت نسب الملء بين المناطق، حسب أحدث بيانات منصة الما ديالنا التابعة لوزارة التجهيز والماء.

حيث بلغت النسبة الإجمالية لملء السدود المغربية نحو 31 في المائة، أي ما يعادل 5 مليارات و221 مليون متر مكعب من أصل سعة إجمالية تناهز 16 مليارًا و762 مليون متر مكعب.

ورغم أن هذه النسبة تمثل ارتفاعًا طفيفًا بنقطتين تقريبًا مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، إلا أن التحسن يظل غير متكافئ بين مختلف الأحواض، حيث تستمر مناطق بأكملها في تسجيل نسب حرجة تُهدد بانعكاسات مباشرة على الأنشطة الفلاحية والتزويد بالماء الصالح للشرب.

تفاوتات مقلقة بين الأحواض:

تُظهر معطيات منصة الما ديالنا وجود تباين واضح في نسب الملء بين الأحواض التسعة التي تغطي التراب الوطني.

ففي حين سجّل حوض أبي رقراق تحسنًا ملحوظًا بنسبة ملء بلغت 63.5% بفضل ارتفاع حقينة سدّ سيدي محمد بن عبد الله إلى نحو 67%، ظل حوض أم الربيع، الذي يضم سدودًا رئيسية موجهة للفلاحة والسقي، عند مستويات مقلقة لم تتجاوز 9 إلى 10% في بعض منشآته.

أما حوض سبو، الذي يمثل أهم خزان مائي للمملكة ويضم ما يقارب 43% من إجمالي المياه السطحية المخزنة، فبلغت نسبة الملء فيه 40.7% فقط، بما مجموعه أزيد من 2.26 مليار متر مكعب، ما يعكس استقرارًا هشًّا لا يرقى إلى ضمان توازن الحاجيات خلال الموسم الفلاحي المقبل.

وفي المقابل، أظهرت أرقام حوض اللوكوس تحسنًا نسبياً بتسجيل 45.5% من طاقة الملء (حوالي 871 مليون متر مكعب)، مدعومًا بتهاطل أمطار متقطعة شمال البلاد خلال الأسابيع الماضية.

الجنوب في وضع حرج:

الوضع يبدو أكثر تعقيدًا في المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية، حيث كشفت المنصة عن نسب ملء ضعيفة في أغلب السدود.

ففي حوض سوس ماسة، لم تتجاوز النسبة 16.3% أي حوالي 119 مليون متر مكعب، وهو رقم يعكس استمرار أزمة المياه في واحدة من أكثر الجهات تضررًا من الجفاف، خاصة مع الضغط المتزايد على مياه السقي الخاصة بالزراعات التصديرية.

أما حوض درعة واد نون فشهد تفاوتًا بين السدود؛ إذ بلغت نسبة الملء في سد منصور الذهبي 38 إلى 39% مقابل 47% السنة الماضية، بينما لم تتجاوز في سد مولاي علي الشريف 16% مقارنة بـ17% خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.

وبذلك، يستمر التراجع في أحد أكثر الأحواض تأثرًا بشح التساقطات المطرية، ما يجعل الوضع مقلقًا على مستوى الإمدادات المائية لمدن الجنوب الشرقي وواحات درعة.

أحواض أخرى تحت الضغط:

تسجل الأحواض الشرقية والوسطى أيضًا نسبًا دون المتوسط الوطني؛ فحوض ملوية لم يتجاوز 27.7% من طاقة التخزين بما يقارب 199 مليون متر مكعب، فيما بلغت نسبة الملء في حوض زيز كير غريس حوالي 47.4%، وهو انخفاض مهم مقارنة بالموسم الماضي الذي تجاوزت فيه النسبة 90%.

أما حوض تانسيفت، الذي يغطي جهة مراكش-آسفي، فبلغت حقينته 37.1% بما مجموعه 84.4 مليون متر مكعب، وهي نسبة لا تضمن استقرارًا مائيًا مريحًا مع تزايد الطلب الحضري والفلاحي على المياه.

سيناريو الجفاف يعود إلى الواجهة:

هذه الأرقام، التي تعكس تفاوتًا حادًا في التوزيع الجغرافي للمياه، تثير مجددًا التساؤلات حول قدرة المنظومة المائية الوطنية على مواجهة موسم فلاحي جديد في ظل استمرار الجفاف البنيوي للسنة السابعة على التوالي.

ويحذر عدد من الخبراء من أن استمرار معدلات التساقطات المنخفضة خلال الأسابيع المقبلة قد يُعيد سيناريو 2023-2024، الذي تميز بتراجع كبير في المخزونات وقيود على الري والشرب في عدد من المناطق.

ويرى مراقبون أن استمرار الوضع الحالي قد يدفع السلطات إلى اتخاذ تدابير احترازية إضافية، مثل إعادة برمجة توزيع المياه الموجهة للسقي، وتشديد إجراءات الاقتصاد في استعمال الماء في المدن الكبرى، خاصة في المناطق التي تقترب من الحد الأدنى لحقينات السدود.

انتظار الغيث:

وفي موازاة ذلك، تشير أحدث توقعات المديرية العامة للأرصاد الجوية إلى احتمال حدوث تغير تدريجي في الحالة الجوية منتصف الأسبوع المقبل، مع تسجيل سحب كثيفة وأمطار خفيفة إلى متفرقة في مناطق الشمال والوسط.

غير أن هذه التوقعات تبقى غير كافية لتعديل المنحى العام للوضع المائي الوطني، ما لم تشهد البلاد تساقطات مهمة ومستمرة خلال شهري نونبر ودجنبر المقبلين، وهي الفترة الحاسمة لبداية تعبئة حقيقية للسدود.

وفي انتظار عودة التساقطات، يبقى المؤشر الأبرز هو أن 31% فقط من السعة الوطنية للسدود متاحة حاليًا، ما يجعل المغرب أمام تحدٍّ مائي حقيقي يتطلب تعبئة جماعية ومسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع للحفاظ على الثروة المائية الوطنية التي تزداد ندرة عامًا بعد آخر.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *