80 مليون درهم لمواجهة العطش في المغرب بالمطر

في خطوة وُصفت بالواعدة في ظل تصاعد أزمة ندرة المياه، كشف نزار بركة، وزير التجهيز والماء، عن تخصيص وزارة التجهيز سنوياً ما يقارب 80 مليون درهم لإنجاز مشاريع تهدف إلى التخفيف من حدّة الخصاص المائي، خاصة في المناطق التي تعاني من ضعف الموارد السطحية والجوفية. هذه الاستثمارات تأتي في إطار برنامج وطني طموح يرتكز على تجميع وتثمين مياه الأمطار، كجزء من استراتيجية شاملة لمواجهة آثار التغيرات المناخية وضمان أمن مائي مستدام.

وأوضح الوزير، في جواب على سؤال كتابي تقدم به النائب البرلماني إدريس السنتيسي، أن هذه المشاريع تندرج ضمن التوجهات الكبرى للسياسة المائية بالمغرب، وتسعى إلى تأمين مصادر بديلة للماء عبر حلول عملية بسيطة وفعالة، تقوم على تجميع مياه الأمطار، وتخزينها، ثم إعادة استخدامها لأغراض غير الشرب، ما من شأنه أن يخفف الضغط على الموارد المائية الصالحة للشرب.

إلى غاية سنة 2025، بلغ عدد المشاريع المنجزة ضمن هذا البرنامج 187 مشروعاً موزعة على عدد من الأقاليم، شملت إنشاء 159 خزّاناً ومطفية، و23 نظاماً لتجميع مياه الأمطار عبر الأسطح، إضافة إلى 5 عتبات لتغذية الفرشات المائية. وتغطي هذه المشاريع مناطق متفرقة من المملكة، من بينها تزنيت، أكادير، تارودانت، شفشاون، السمارة، زاكورة، ورزازات، تطوان، والرحامنة، وهي كلها مناطق تعرف هشاشة مناخية وتراجعاً في تساقطات الأمطار.

أما على مستوى المشاريع قيد الإنجاز، فتعمل الوزارة حالياً على 103 مشروعاً إضافياً، من بينها 85 خزانا و15 نظاما لتجميع مياه الأمطار، و3 عتبات للتطعيم الاصطناعي للفرشات الجوفية. وتُظهر هذه الأرقام اتجاهاً واضحاً نحو تعزيز بنية تحتية مائية ذكية، تعتمد على تحويل الأمطار من نعمة مهدورة إلى مورد ثمين يخدم احتياجات المناطق المتضررة.

ولا تقتصر أهداف هذا البرنامج على معالجة الخصاص، بل تتجاوزها إلى إعادة التوزان الهيدرولوجي المحلي، إذ تُساهم هذه المشاريع في تقليص الاستهلاك المفرط للمياه بنسبة وصلت إلى 30% في عدد من المناطق المستفيدة، حسب ما أكد الوزير. كما تشمل استعمالات مياه الأمطار المجمعة سقي المساحات الخضراء، وتزويد المراحيض وعمليات الغسيل، إضافة إلى استخدامات صناعية وتجارية، ما يجعل منها مصدراً بديلاً اقتصادياً وبيئياً في آنٍ واحد.

لكن رغم الطموحات، أشار نزار بركة إلى أن تحديد الكميات الدقيقة التي يمكن توفيرها من خلال تجميع مياه الأمطار يتطلب تحليلاً ميدانياً معمقاً، يأخذ بعين الاعتبار تساقطات كل منطقة، ونوعية الأسطح، وميلانها، وكفاءة شبكات التصريف. كما نبه إلى أن فعالية هذه الأنظمة تبقى رهينة بجودة الصيانة الدورية وفعالية أنظمة الترشيح والمعالجة، التي تلعب دوراً حاسماً في تقليص نسبة الفاقد أثناء الجمع والنقل والتخزين.

من الناحية التقنية، تعتمد هذه المشاريع على وسائل بسيطة ومنخفضة التكلفة، تشمل تجهيز أسطح المدارس والمباني العمومية بنُظم تجميع مياه الأمطار، إلى جانب إنشاء خزّانات لتخزينها، وقنوات لتصريفها بطريقة منظمة وآمنة. ويُتوقع أن تُسهم هذه الأنظمة، على المدى البعيد، في اقتصاد 300 مليون متر مكعب من المياه سنوياً في أفق 2050، وهو رقم ضخم يُبرز مدى الإمكانات التي تتيحها هذه المقاربة المستدامة.

ويُنظر إلى هذا البرنامج كجزء من رؤية استراتيجية أشمل لتأمين السيادة المائية للمغرب، عبر تنويع مصادر التزود، وتعزيز صمود البنية التحتية أمام التقلبات المناخية. وبالنظر إلى الوضعية الحرجة التي تعرفها الموارد المائية، فإن المطر لم يعد مجرد ظاهرة طبيعية موسمية، بل تحول إلى عنصر محوري في معادلة البقاء الاقتصادي والاجتماعي في عدد من مناطق المملكة.

في ظل هذه المعطيات، تتأكد أهمية الانتقال من السياسات التقليدية في تدبير الماء إلى نموذج أكثر ذكاء واستباقاً، يقوم على حلول مبتكرة، منخفضة التكلفة، وقابلة للتطبيق في مختلف الأقاليم. فالماء، كما يشدد المسؤولون والخبراء، لم يعد مجرد مورد طبيعي، بل أصبح أولوية استراتيجية تتطلب تضافر الجهود لحمايته وضمان ديمومته للأجيال المقبلة.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *