في خطوة غير مسبوقة كسرت عرف السياسة التقليدي، وجدت الأحزاب المغربية نفسها مضطرة لقطع عطلتها الصيفية والعودة إلى أجواء العمل المكثف، من أجل إعداد مذكراتها الانتخابية قبل نهاية غشت، استجابة لدعوة وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، ووفقًا لتوجيهات الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش.
فخلافًا لسنوات الصيف السابقة التي كانت تعرف هدوء المقرات الحزبية، تحولت هذه الأخيرة اليوم إلى خلية نحل تعج بالاجتماعات والورشات التي يشارك فيها القادة والخبراء والأطر السياسية، لصياغة مقترحات تهم تحديث اللوائح، تعزيز مشاركة النساء والشباب، وضمان نزاهة الانتخابات المقبلة.
مصادر حزبية أكدت لـ”بلبريس” أن المشاورات تركز على تطوير القوانين الانتخابية وتجويدها بما يضمن شفافية الاستحقاقات، ويعزز ثقة المواطنين في العملية الديمقراطية.
الاستقلال يعدّ لمذكرة إصلاحية متجددة
مصادر من داخل حزب الاستقلال كشفت لـ”بلبريس” أن الحزب يعمل على تنقيح مذكرته الانتخابية السابقة، مع الأخذ بعين الاعتبار مستجدات ما بعد انتخابات 2021 ونتائج الإحصاء العام للسكنى لسنة 2024، مؤكدة أن الحزب يولي أهمية كبرى لمشاركة النساء والشباب واعتماد لوائح جهوية لتقريب التمثيل من المواطنين.
الاتحاد الاشتراكي يركز على التقطيع الانتخابي
من جانبه، مصدر من الاتحاد الاشتراكي أفاد بأن مذكرته ستتضمن مراجعة شاملة للتقطيع الانتخابي بما ينسجم مع التحولات الديمغرافية الأخيرة، مع تشديد الرقابة على الحملات الانتخابية، وضمان حياد أجهزة الدولة لتكريس نزاهة الاستحقاقات. كما أشار المصدر إلى مقترحات لتسهيل مشاركة مغاربة العالم وإدماج الشباب في صياغة التعديلات.
العدالة والتنمية يطالب برفع العتبة الانتخابية
مصدر من حزب العدالة والتنمية أوضح لـ”بلبريس” أن المذكرة سترتكز على إصلاحات عميقة تهم نمط الاقتراع، أبرزها خفض عتبة تمثيل الجماعات إلى 20 ألف نسمة، واعتماد عتبة انتخابية بـ6% لتقوية البرامج الحزبية، إلى جانب إجراءات لضمان حياد الإدارة ومنع استغلال الموارد العمومية.
التقدم والاشتراكية يراهن على تمثيلية القرب
أما حزب التقدم والاشتراكية فيؤكد أن مذكرته تسعى لتوسيع مجال التمثيلية وضمان إشراك الكفاءات الوطنية، مع تعزيز مشاركة النساء وتكريس مبدأ القرب لضمان انخراط المواطنين، داعيًا إلى انتخابات نزيهة تعيد الثقة في المؤسسات الديمقراطية.
هذه المذكرات التي تعدها الأحزاب تحت ضغط الزمن القانوني، قد تشكل منعطفًا في مسار الإصلاح الانتخابي بالمغرب، خاصة وأنها تأتي في سياق تحولات اجتماعية وديمغرافية كبرى، وتطلعات شعبية لتعزيز الشفافية وتكافؤ الفرص السياسية.
رهانات قوية وضغوط متعددة
عودة الأحزاب المغربية بشكل مفاجئ من عطلتها الصيفية يعكس حجم الضغوط السياسية والرهانات المرتبطة بالاستحقاقات المقبلة. فالخطاب الملكي الأخير وضع سقفًا واضحًا للإصلاحات الانتخابية، ما جعل وزارة الداخلية تتحرك بسرعة لدعوة الأحزاب إلى تقديم مذكراتها قبل نهاية غشت، وهو موعد يترك هامشًا زمنيًا ضيقًا للأمانات العامة لتدبير النقاشات الداخلية وصياغة تصورات متوازنة.
هذا المشهد يعكس أيضًا انتقال العملية الانتخابية من مجرد استحقاق دوري إلى معركة سياسية مبكرة، حيث تسعى كل الأحزاب لتقديم نفسها كفاعل جاد يمتلك رؤية واضحة لإصلاح المنظومة الانتخابية وضمان الشفافية. فالأمر لم يعد يقتصر على التنافس حول المقاعد، بل أصبح صراعًا على كسب ثقة الناخبين قبل موعد الانتخابات.
من زاوية أخرى، يمكن اعتبار هذه الدينامية فرصة لإعادة ترتيب البيت الداخلي للأحزاب التي عانت من هزات تنظيمية وتراجع شعبي في السنوات الأخيرة. فالمذكرات الانتخابية لن تكون مجرد وثائق تقنية، بل رسائل سياسية موجهة للرأي العام، تعكس مدى استعداد هذه الهيئات لتبني خطاب الإصلاح والانفتاح على الشباب والنساء.
غير أن التحدي الأكبر يظل في مدى التزام الفاعلين بتنفيذ ما يكتب في هذه المذكرات، وتجاوز منطق الشعارات إلى آليات عملية تضمن تكافؤ الفرص وتقطع مع ممارسات الماضي. فالمواطنون يترقبون انتخابات مختلفة، عنوانها الشفافية والمصداقية، وإلا ستظل الثقة في المؤسسات موضع شك، رغم كل الجهود المعلنة.