رغم كونها من أكبر وأهم مقاطعات مدينة سلا من حيث الكثافة السكانية، ما تزال العيايدة تجسد نموذجًا حيًا لما يمكن تسميته بـ”التنمية بسرعتين”، تلك العبارة التي قالها الملك محمد السادس في خطابه الأخير بمناسبة عيد العرش، حينما نبه إلى فجوة التفاوتات المجالية والتنموية بين مناطق المغرب.
وإذا كانت أحياء بسلا تشهد بعض مظاهر التهيئة بالرغم من قلتها، فإن مقاطعة العيايدة تعاني من غياب شبه مطلق لأبسط مقومات العيش الكريم، وعلى رأسها المساحات الخضراء.
في هذا السياق، يبدو المشهد عبثيًا عندما يلاحظ المرء تهافت ساكنة العيايدة على رقع ترابية محاطة بالأزبال ومخلفات البناء، وكأنها متنفسٌ مؤقت في غياب أي فضاء طبيعي حقيقي، حيث لا متنزهات ولا حدائق ولا فضاءات عامة مؤهلة، بل فقط مقاهٍ منتشرة أو أحياء سكنية مغلقة، بعضها تعود ملكيته أو شراكته لأعضاء في المجلس الجماعي أو في المقاطعة ذاتها.
وفي مقابل هذا الفراغ البنيوي، خصصت مقاطعة العيايدة صفقة لشراء “قطع فنية أو هدايا تقدم كجوائز” بقيمة مالية وصلت إلى 402,600 درهم لصالح شركة MFAP، بعد منافسة شهدت مشاركة ثمان شركات، تم استبعاد بعضها لأسباب إدارية أو تقنية، فيما رُفض العرض الأرخص الذي تقدمت به شركة PRO FITNES رغم كونه الأكثر نجاعة من الناحية المالية، بدعوى “نقص في الملف الإداري”.
صفقة الهدايا هذه التي تم الإعلان عنها بجريدة “المساء” وعدد من المنصات العمومية في 25 يونيو 2025، وخلصت أشغالها يوم 21 يوليوز من الشهر ذاته، تأتي لتكرس مفارقة صارخة بين ما تحتاجه الساكنة فعليًا من مشاريع بنيوية وتنموية، وبين ما يُبرمج فعليًا من صفقات وشكليات لا تتجاوز الطابع الاستعراضي.
عدد من سكان العيايدة عبّروا لـ”بلبريس” عن امتعاضهم مما اعتبروه “تبذيرًا” للمال العام في مسابقات شكلية وهدايا دعائية، في وقت لا يجد فيه المواطن مكانًا لاصطحاب أبنائه، ولا يلمس أي تحسن حقيقي في البنية التحتية أو في جودة الحياة اليومية.
المقاطعة، وفق شهادات محلية، باتت تُختزل في “أحياء للأزبال، أو مقاهٍ، أو عمارات، في ظل غياب دور فعلي لرئيس المقاطعة ونوابه، الذين يرى كثيرون أنهم خارج التاريخ والجغرافيا، ولا يقدمون شيئًا للمنطقة سوى الوعود”.
أما عمدة المدينة عمر السنتيسي، ونائبه الزلزولي، فتعتبرهما فئات واسعة من الساكنة “مجرد منسقين لحملات انتخابية موسمية، يرون في العيايدة خزانا انتخابيا لا أكثر، دون أن تُترجم هذه الكثافة الديموغرافية إلى مشاريع ترقى لطموحات السكان، أو إلى تمثيلية سياسية ذات أثر ملموس”.