مفاوضات نزاع الصحراء بين الفشل وامكانية فرض حلول مجلس الامن

صبري الحو*

تقديم:

بعد اتخاذ مجلس الأمن للقرار 2440 بتمديد عهدة المينورسو لستة اشهر اضافية الى غاية متم ابريل 2019، واعطاء تعريف واضح لطبيعة المنطقة التي تقع خلف الجدار الدفاعي المغربي صوب الجنوب والشرق واعتبارها منطقة عازلة، وتسجيل اقرار واعتراف البوليساريو بذلك، و استصدار الأمين العام لتعهد من قيادتها باحترام طبيعة المنطقة، والالتزام بعدم تغيير الوضع القائم فيها. 

فإن مجلس استهل قراره بدعم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ورحب في نفس القرار بمجهوداته وبدعوته الأطراف لعقد مفاوضات المائدة المستديرة، فماهي الخلفية والغاية؟ وما هي الأجندة المقرر تدارسها ومناقشتها خلال الجلسات الثلاث للمائدة؟ وماهي خظوظ نجاح وفشل هذه الجولة؟ ، وما هو تصور الأمانة العامة لدعمها؟ وما هي المخارج التي تفترض الأمم المتحدة أن المفاوضات تؤدي اليها؟ أو على الأقل تؤسس لها؟ وعلى أي أساس؟.

أولا: المفاوضات:المرجعية، و الخلفية والغاية؟ 

من العبث الإعتقاد، أو الزعم والادعاء و التأكيد  أن المفاوضات غاية لذاتها؟ ومن الخطأ التسليم، بأن المفاوضات وسيلة  من أجل الوصول إلى هدف، وادراك نتيجة!، و ما بين عدم القبول ولا التسليم بالعبث وتجنب الخطأ!، فأين نضع آلية المفاوضات؟ وأين نرتبها ونصنفها، ولماذا تم الأخذ بها واعتمادها؟.

إن تعريف المفاوضات في نزاع الصحراء، والاعتقاد بمظهرها  أنها وسيلة من أجل الوصول الى حل، هو السبب الذي جمد إرادة الأطراف وتمسكها وتصلبها عند مواقفها وعدم زحزحزتها،  رغم المعول على المفاوضات في سبيل ذلك. فالأمر لا يتعلق بمساومة عقدية على شيء، أوحاجة أو خدمة، وليست دعوى قضائية كوسيلة للوصول الى حق، بل إن المفاوضات في نزاع الصحراء جزء من كل متعدد للعملية السياسية، وهو جزء لا يقبل التجزئة والانقسام عن هذا الكل المتعدد.

ولأن كل طرف يفسر المفاوضات تفسيرا لصالح دعم وتقوية مركزه، أو تبعاً لفهمه الخاص، ولو ضدا على مقاصد وارادة الأمم المتحدة في مراعاتها للتقدم المحرز الى غاية 2006.  وسوء التفسير والفهم والتأويل القائم، قد يكون نتيجة وقوع خطأ الأطراف في الواقع كما في القانون، وفي غالب الظن مقصودا من لدن كل الأطراف، ومن داخل الأمانة العامة للأمم ومجلس الأمن كجهازين مقررين، ومنفذين  داخل المنظمة الأممية؛ الأمم المتحدة، ومشرفين على المفاوضات، والعملية السياسية في النزاع. 

ثانيا :تعريفات الأطراف للمفاوضات يفسر تعدد وتناوبهم في الاحتجاج على الأمانة العامة للأمم المتحدة : 

وتبعا لكل ذلك، نجد المغرب ينظر الى المفاوضات كحل لإرساء وتطبيق الحكم الذاتي ووضع حد نهائي للنزاع. وفي مقابل هذا التعريق، الذي يمكن نعته بالوظيفي. فان البوليساريو ترى أن المفاوضات طريق للوصول الى إجراء الاستفتاء، أي أن المفاوضات وسيلة لتحديد وسيلة أخرى. ووسط هذه المبادراة والنوايا والمقاصد، تبحث الأمم المتحدة عبر الأمانة العامة ومجلس الأمن عن توافق الأطراف، في إطار الغاية الذي يجمع تكييفات الأطراف في بعدها بين السياسي المغربي، والقانوني للبوليساريو، فيما يسميه مجلس في توجيهاته: اتفاق واحد ذو طبيعة سياسية، واقعية، وعملية في الجوهر، وقانوني في شكله يضمن تقرير المصير.

 و هذا التناقض البين في فهم وتأويل مكانة ومغزى المفاوضات، هو الذي  يفسر تناوب احتجاج وتحفظ الأطراف على  طريقة اجرائها وتسييرها وتدبيرها من طرف المبعوثين الشخصيين للأمين العام للأمم المتحدة. فالمغرب أبدى تحفظا على بيكر، والبوليساريو على فال والسوم، واحتج المغرب على نهج كريستوفر روس، ومن يدري فقد يطال الاحتجاج المبعوث الشخصي الخالي هورست كوهلر نفسه.

ثالثا: تحصين المفاوضات من التوقف غاية تحالف الأمانة العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن في تدبيرها. 

 ولتجاوز تلك الاستشكالات التي يكون نهايتها توقف المفاوضات عمد مجلس الأمن الى تحصينها لجعلها قارة وثابتة وملازمة، وجعل الأطراف يلتزمون بها، والدفع لاضعاف ارادة الأطراف والسيطرة عليهم، وجعلهم غير قادرين على ايقافها ولا توقفها. بجعلها منطلقا وبداية ضروريين ومترابطتين لضمان لتقدم العملية السياسية كاملة عبر العمل من تفاعل ايجابي بين مكوناتها المتعددة، في شموليتها( الأمانة العامة للأمم المتحدة، مجلس الأمن، المبعوث الشخصي للأمين العام، المينورسو، المفوضية السامية لغوث اللاجئين، أعضاء مجلس الأمن، تدابير بناء الثقة،الدول أصدقاء الصحراء، الأطراف ، دول الجوار المنظمات القارية الاتحاد الأفريقي الاتحاد الأوروبي... وغيرها. 

ومن أجل التأسيس لذلك ، فن مجلس الأمن أظهر وضوحا كبيرا من خلال  في احداثه لقطيعة مع سابق قرارات ولوائح الأمم المتحدة التي كانت تتناول تأطير خطة التسوية، وما قبلها، وأحاط المقاربة السياسية الحالية باطار و اسناد  مرجعي في مسار بحثه عن الحل وارسائه، وجعل ذلك يبدأ بالمفاوضات 2007( وفقا للوارد في ديباجة القرار الأخير 2440). بل إن مجلس الأمن جعل رهانه على هذه الطريقة، وعززها بأن أقام رابطا وعلاقة مباشرة لتدخلات ونشاركته للأمانة العامة للأمم المتحدة وللمبعوث الشخصي للأمين العام في المفاوضات عبر تحديده لبرنامج عملها في نفس القرار 2440. 

رابعاً: هاجس الخوف يسيطر على احاطة الأمين العام ومحلس الأمن من الخطوات التالية في العملية السياسية: 

يكشف نص وفحوى قرار مجلس الأمن الأخير 2440 عن موضوع الاجتماع الذي حصل بين مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بلتون والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة هورست كوهلر في اكتوبر الماضي، وقبيل اجتماعات مجلس الأمن للتمديد لبعثة المينورسو ستة اشهر اضافية تنصرم في متم ابريل 2019، إذ أن القرار لم يقف عند حد الثناء على الدعوة الى استئناف المفاوضات، بل  إن عناية مجلس  تعدت ذلك إلى مستوى تحديده في نص قراره لبرنامج عمل المفاوضات . 

وقد كان بناء جدولة الجولة الأولى من مفاوضات المائدة المستديرة محكما في ترتيب ووضع محاور النقاش والتداول ، وان تخصيص الجلسة الأخيرة للخطوات التالية في العملية السياسية  يدل على كثرة العناية، و دقة، وعمق التفكير  في تحقيق نجاعة في الجولة، فالمشرف على المفاوضات هورست كوهلر أخذ وقتا كافيا، والتزم التكتم والصمت والتحفظ قبل الاعلان عن الدعوة من أصلها ، لأنه كان يراهن على بناء نجاح هذا الباب على ما راج في جولة التطورات الراهنة، وجولة تقييم المسائل الاقليمية على مستوى الشكل والتصور النظري الذهني، واستنفاذ الأطراف لحهدهم ودفوعاتهم،  وهو ما يعطي الدليل أنه مفاوض بارع 

واذا كان اعداد الأطراف نفسيا مهم للاستمرار في مسلسل المفاوضات ، فان مناقشة الجوهو والموضوع هو الأهم، فتحديد وترتيب الخطوات التالية في العملية السياسية معناه وضوح الهدف من المفاوضات، وهو شكل غير جاهز  ستوى على مستوى الوصف النظري " حل سياسي واحد: في جوهره واقعي وعملي، وقانوني على مستوى الشكل.

وقد حاول اللأمين العام للأمم المتحدة في توصيات تقاريره، ومجلس الأمن في قراراته التدخل في هذه النقطة من خلال تشجيع الأطراف على انفتاحهما المتبادل لمناقشة مبادراتها المقدمة منذ 2007، لكن من أين البداية؟ وهل تحقق الظرف وظهرت مؤشرات استعداد الأطراف للسير قدما نحو الحل؟ وماهي والمخاطر والعقبات،  والصعوبات المعرقلك؟ وكيف يمكن مواجهتها؟ وما هو تقييم الأمانة العامة للأمم المتحدة للجولة الأولى للمائدة المستديرة؟ وكيف تتصور تطورها لاحراز تقدم ناجع وسريع في العملية السياسية؟. 

 على سبيل الختم:

الواقع الحالي يدل على أن الأمانة العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن أصبحا شريكين في تدبير العملية السياسية في نزاع الصحراء، وفي رسم خطوات سيرها. فمجلس الأمن أضحى مبرمجا لمواضيعها، ومواظبا بكثافة على الاهتمام بفحص كيفية تنفيذها لتطويرها، فالقرار 2440 تضمن مواضيعها وحدد أجل ثلاثة أشهر للاحاطة بمضمونها، لأنه يراهن على المفاوضات في تحقيق تقدم نحو الحل.

و هذا الاتحاد في حد ذاته بمثابة ضغط على الأطراف للتقدم صوب الحل . وفي هذا الاطار تجد احاطة الأمين العام لمجلس الأمن مبررا لها، فهو سيقدم تقريرا عن تفاصيل مرور جولة المفاوضات الأولى، وأخذ رأي ووجهة نظر، واقتراحات مجلس الأمن حول مضمون وكيفية ادارة الجولة المقبلة في سبيل جعل المفاوضات فعالة ومنتجة وناجعة وذات أثر معجل في العملية السياسية من صنع الأطراف، أو اعلان عدم قدرتهم  لوحدهم على ادراك ذلك وشرعنة استعراض مجلس الأمن الشامل لاطار العملية التفاوضية، لمشاركتهما او الحلول محلهما في ذلك، وتلك غاية أخرى للمفاوضات .

 

*محام بمكناس،

خبير في القانون الدولي_قضايا الهجرة ونزاع الصحراء.


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.