وجه جلالة الملك محمد السادس، مساء الأربعاء 6 نونبر 2024، خطابا للشعب المغربي بمناسبة تخليده الذكرى التاسعة والأربعين المسيرة الخضراء، وإحياء لتضحيات المغاربة من أجل استكمال الوحدة الترابية للمملكة المغربية.
وقد تطرق جلالته إلى التذكير بالأسس التي قامت عليها هذه المسيرة كونها مسيرة سلمية وشعبية عززت تشبث أبناء الوطن في الصحراء بمغربيتهم، وتعلقهم بمقدسات الوطن، في إطار روابط البيعة، القائمة عبر التاريخ، بين سكان الصحراء وملوك المغرب:
فالأمة تأسست على ثقافة مشتركة وسيرورات ثقافية، على أن التكامل بين الحقب الزمنية هو الذي ميز معالم الدولة وسيادة المملكة، فقد ظل المجتمع المغربي يعيد إنتاج نفس البنيات على مختلف الأصعدة، فعلى الرغم مما شهدته البلاد من مخاض سياسي واجتماعي فإن المغاربة حصنوا جيدا دولتهم بوفاء وإخلاص لتقاليده وحياته الثقافية والعلمية والفكرية مرتبطين بالمشروعية وروابط البيعة التي تهدف إلى إعطاء صيغة لتسيير شؤون الدولة وضمان سيادتها، على أساس الترابط بين فئات المجتمع وملوك المغرب، هذه البيعة التي توحد مشاربها عناصر هوية جامعة هوية دينية، سياسية، لغوية، ترتكز على الوحدة الترابية كأساس لأي تعامل داخلي أو خارجي للدولة.
إذا كانت الوثيقة الدستورية ارتقت بمسألة الهوية إلى ديباجتها، ذات المدلول القوي في تركيبة القانون الأسمى، فإن توقيت هذا الاختيار ليس منفصلا عن الأثر الإيجابي الذي أحدثته الإصلاحات الهائلة التي أقرها الملك محمد السادس قبل سنوات، لكونها شكلت الامتداد الطبيعي للتوجهات التي برزت منذ اعتلاء جلالته عرش البلاد.
ثم انتقل جلالته إلى محور النهضة التنموية، والأمن والاستقرار، الذي تنعم به الصحراء المغربية:
فكل المجتمعات تقوم على مبدأ الفعالية التي تجعلها قادرة على فرض الأمن والطمأنينة والسلام، الشيء الذي يتطلب مشروعا سياسيا وسلطة دائمة تتأسس على المواطنة كلبنة أساسية لدولة تتفاعل فيها جميع الأطياف في إطار مشروع حضاري ديمقراطي قائم على القانون والتآلف والترابط والقيم والآداب ومشاعر الانتماء والولاء للوطن، فالمملكة المغربية تتخذ من التنمية هدفا لها للرقي بالمستقبل، ومنه تأتي ضرورة التركيز على مقومات المجتمع المغربي والدولة المغربية وأيضا سبل ما تحقق من تقدم وهو ما أكده جلالة الملك " وبنفس الروح، يجب العمل على أن تشمل ثمار التقدم والتنمية، كل المواطنين في جميع الجهات، من الريف إلى الصحراء، ومن الشرق إلى المحيط، مرورا بمناطق الجبال والسهول والواحات"، في استمرار دائم لما توجهت له البلاد منذ فجر الاستقلال إلى رسم معالم دولة تنبع من التزامات الأفراد الذين دافعوا وبكل الوسائل إلى إخراج المغرب من مخلفات الاستعمار إلى سكة التنمية مع مسؤولية الحفاظ على سيادة الأمة وعلى الروابط التاريخية والتقاليد التي ورثتها الأمة جيلا بعد جيل عبر مرور الحقب الزمنية.
ثم توجه صاحب الجلالة إلى محور الاعتراف الدولي المتزايد بمغربية الصحراء، والدعم الواسع لمبادرة الحكم الذاتي:
إن التحولات والإصلاحات التي يشهدها المغرب، ترسم معالم حركية لم يسبق أن عرفتها البلاد، وهو ما يجعل الحفاظ على هذا المسار وتعزيزه أمرا مفروغا منه، وهو ما جاء في الخطاب السامي " إن المرحلة التي تمر منها قضية وحدتنا الترابية، تتطلب استمرار تضافر جهود الجميع"، كما أن التحولات التي يعرفها المغرب ليست معزولة عن محيطه الإقليمي والجهوي والدولي، الذي شهد طفرات عديدة، وضغط من أجل إصلاحات تستهدف أساسا الحكامة الديمقراطية، هذه التحولات التي عرفتها البلاد وتعرفها لا تخلوا من شد وجذب في العلاقات مع دول أخرى، وفي هذا الإطار أكد المغرب أنه ذو سيادة على وحدته الترابية وقراراته وإصلاحاته وتوجهاته الديمقراطية، وأن المكاسب التي وصلت إليها البلاد تستدعي المزيد من الالتزام الجماعي لتحقيق المزيد من التنمية للوطن والمواطن وبه ركز جلالته على أن "المغرب كما يعرف الجميع، اقترح مبادرة دولية، لتسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي، في إطار الشراكة والتعاون، وتحقيق التقدم المشترك، لكل شعوب المنطقة" بحيث "وبموازاة مع هذا الوضع الشرعي والطبيعي، هناك مع الأسف، عالم آخر، منفصل عن الحقيقة، ما زال يعيش على أوهام الماضي، ويتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن"
وتبعا لما جاء به قرار مجلس الأمن الأخير والذي يظهر كعامل داعم للمغرب في تعزيز موقفه بشأن القضية الوطنية ويعكس استقرارا في الموقف الدولي تجاه النزاع المفتعل، ويعزز شرعية مقترح المغرب، الذي يظل الخيار الأكثر واقعية لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة فقد توجه جلالته برسالة للأمم المتحدة "لقد حان الوقت لتتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها، وتوضح الفرق الكبير، بين العالم الحقيقي والشرعي، الذي يمثله المغرب في صحرائه، وبين عالم متجمد، بعيد عن الواقع وتطوراته" وهو الشيء الذي يؤكد على الوضع الشرعي والطبيعي خلافا لعالم آخر، منفصل عن الحقيقة، ما زال يعيش على أوهام الماضي، ويتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن.
في مرحلة ثانية اتجه صاحب الجلالة إلى "روح الوطنية التي يتحلى بها المغاربة المقيمون بالخارج، وبالتزامهم بالدفاع عن مقدسات الوطن، والمساهمة في تنميته" ثم وجه الحكومة للعمل على هيكلة هذا الإطار المؤسساتي، على أساس هيأتين رئيسيتين مجلس الجالية المغربية بالخارج، باعتباره مؤسسة دستورية مستقلة، إحداث هيئة خاصة تسمى المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج ليختتم الملك محمد السادس "إن التضحيات التي قدمها جيل المسيرة، تحفزنا على المزيد من التعبئة واليقظة، قصد تعزيز المكاسب التي حققناها، في ترسيخ مغربية الصحراء، ومواصلة النهضة التنموية، التي تعرفها أقاليمنا الجنوبية"
ولذلك فالمملكة تستخدم كل الإمكانيات والموارد بكل حرية وسيادة لتنزيل عملية التنمية على كامل التراب الوطني، نتحدث عن منظور للتنمية يتشكل من ثلاثة قيم مهمة الحريات العامة، المشاركة السياسية والحقوق السياسية، ثم الموارد الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والأمن المستدام ما يعتبر كعوامل محفزة وأساسية للتنمية.
يوسف الحفيرة
طالب باحث في سلك الدكتوراه
مختبر الدراسات والأبحاث القانونية والسياسية
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي
جامعة محمد الخامس الرباط