في الحاجة إلى تأهيل المدرسين الجدد..

بالنظر إلى ما صارت عليه منظومة التربية والتعليم من تراجع، لم يعد ملك البلاد محمد السادس يدع مناسبة تمر دون الدعوة إلى ضرورة التعجيل بإنقاذ هذا القطاع الاستراتيجي الهام، وأصبح القائمون على الشأن التربوي أنفسهم يقرون بأزمته الحادة. إذ رغم ما استنزفته البرامج الإصلاحية من ميزانيات ضخمة في السنوات الأخيرة، والمتمثلة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999/2009)، المخطط الاستعجالي (2009-2012) والرؤية الاستراتيجية (2015-2030)، فإن الأوضاع لم تزدد إلا استفحالا، جراء ما يعانيه القطاع من اختلالات عميقة، غياب الحكامة الجيدة، هشاشة البنيات التحتية، تراجع مستوى التلاميذ وتواضع المؤهلات الديداكتيكية لدى الكثير من المدرسين بسبب ضعف التكوين.

وإذا كانت البلدان الديمقراطية المتقدمة تجعل من النظام التعليمي قضية مركزية وأساس أي تطور، وتحرص بقوة على إيلاء المتعلمين عناية خاصة، باعتبارهم قطب الرحى في العملية التعليمية-التعلمية، ليس فقط بضمان تكافؤ الفرص بين الجميع دون تمييز أو اعتبار للخلفية الاجتماعية أو الاقتصادية، حيث تركز المدرسة على دعم المتعلم وتحفيزه الدائم على التعلم وإرشاده بشكل فردي، بل بالعمل كذلك على الاهتمام بدور المدرس ووضعيته المادية، وجعله يستفيد من تكوين جيد وتدريب ذي مستوى رفيع من الجودة، حتى يكون على إلمام واسع بعلوم التربية ويتوفر على قدرات ومهارات عالية في التدريس...

فإن نظامنا التعليمي مازال بعيدا عن مواكبة العصر، لما يتخبط فيه من مشاكل على مدى أزيد من أربعة عقود، دون أن يجدي معه نفعا توالي عمليات الإصلاح في ظل غياب إرادة سياسية قوية. إذ كشفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونيسكو) في تقرير لها عن التعليم العالمي برسم عام 2017 عن صورة قاتمة لواقع التعليم بالمغرب، مشيرا إلى إغلاق ما يناهز 200 مؤسسة بالتعليم العمومي في ظرف خمس سنوات، وما يلاقيه التلاميذ من سوء المعاملة وتدني مستوى الخدمات...

ولا غرو في أن نجد اليوم انتقال ذلك الإلحاح الشديد على التعجيل بالإصلاح الذي كان منحصرا في دائرة الفعاليات التربوية والسياسية والنقابية الغيورة على الوطن وأبنائه، إلى مؤسسات وطنية ذات أهمية بالغة ترفض بشدة استمرار الوضع التعليمي على ما هو عليه من ترد. حيث أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في شخص رئيسيهما عمر عزيمان وأحمد رضا الشامي يجمعان على أن التكوين الجيد للمدرسين قبل إسناد مهمة التدريس إليهم بات ضرورة ملحة ويعد من بين أهم الركائز الأساسية، التي ينبغي اعتمادها في إصلاح المنظومة التعليمية والارتقاء بجودة التعلمات ومستوى المتعلمين.

ففي تقرير حول "مدرسة العدالة الاجتماعية"، أكد المجلس الأعلى للتربية والتكوين على أن النظام التربوي ببلادنا فضلا عن أنه يكرس الفوارق الطبقية ويعطل مسار تحقيق العدالة الاجتماعية وأن الهدر المدرسي وحده كلف ميزانية الدولة ما يزيد عن مليارين، فقد كشف عن عدة أعطاب وخص بالذكر  استعجال توظيف أساتذة بالعقدة من غير منحهم الوقت الكافي في الاستفادة من تكوين فعال ورصين، وشدد على إلزامية تكوين الأساتذة الجدد تكوينا بيداغوجيا لائقا، يمكنهم من القيام بواجبهم في أحسن الظروف وتحسين مستوى التعليم. وأشار في هذا الصدد إلى أنه ثبت علميا أن تلاميذ الأساتذة الذين استفادوا من تكوينات وتداريب قبل مباشرتهم عملية التدريس، تكون مردوديتهم أفضل من باقي التلاميذ. فكيف يمكن النهوض بمستوى تلامذتنا، في ظل توظيف متعاقدين غير مؤهلين للتدريس الجيد، من حيث الاقتصار فقط على بعض الدروس النظرية والتدريبات السريعة، عوض تلقي تكوينات ذات جودة عالية في المراكز الجهوية للتربية والتكوين والمدارس العليا للأساتذة؟

ولم يمر على ذلك التقرير الأسود وقت طويل حتى صدر آخر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ليرفع هو الآخر الغطاء عن معطيات صادمة حول تدهور المنظومة التعليمية عامة، ويوجه رئيسه أحمد رضا الشامي انتقادات شديدة اللهجة للمدرسين، جراء ضعف مستوى المدارك العلمية لدى عدد كبير منهم، حيث استغل فرصة تواجده في الجلسة الثانية للمناظرة الوطنية للتنمية البشرية، للتصريح علانية وبكل صراحة بأن تدني مستوى المدرسين ساهم بقسط وافر في إضعاف منظومتنا التعليمية، مستعينا في ذلك بدلائل رقمية واضحة تعود إلى سنة 2017، حين أجرى المرصد المغربي للتنمية البشرية بحثا دقيقا حول كفاءة المدرسين بالقطاعين العام والخاص، أسفر عن نتائج كارثية. وهي الخلاصة التي جعلت الشامي يعلق عليها بالقول: "لا يمكن أن نقدم نظاما تعليميا ذا جودة إلى التلاميذ إذا كان لدينا هذا النوع من الأساتذة"،

نعم نحن متفقون على أنه لا يمكن تحقيق جودة التعلمات والارتقاء بمستوى التلاميذ إلا إذا كانت مدارسنا تتوفر على أساتذة أكفاء وذوي قدرات ومهارات جيدة للاضطلاع بمهامهم على أحسن وجه، لكن ماذا أعدت الحكومة الحالية وسابقتها لهذه الجحافل من المتعاقدين من تكوين حقيقي يلبي حاجيات التلاميذ ويرقى بمستوياتهم، وهي لا تفكر سوى في الحد من توتر الأسر واحتجاجاتها عبر سد الخصاص والحد من الاكتظاظ؟ ثم كيف نفسر لجوء رئيس الحكومة إلى رفع سن المرشحين لاجتياز مباراة التوظيف بالعقدة إلى 50 سنة؟


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.